تكثُر الأسئلة حول إنجيل برنابا لدى الأحبّاء المسلمين، وحول سبب عدم إيماننا به وقبوله على أنّه جزء من العهد الجديد، كَ "إنجيل متّى" و"إنجيل مرقس" و"إنجيل لوقا" و"إنجيل يوحنّا".
ومَرَدّهم في ذلك أنّ "إنجيل برنابا" يَنسُب أقوالاً للرّبّ يسوع المسيح يشهد فيها عن محمّد رسول الإسلام، كما أنّه ينفي موت المسيح ويتحدّث عن تحريف الكتاب المقدّس ... الخ. لذا بكُلّ محبّة ورحابة صدر، سنجيب عن هذا السّؤال ذاكرين الأسباب التي تدفعنا (نحن المسيحيّون) لعدم الإيمان به، أي إنجيل برنابا، راجين من الله ربّنا أن تساهم هذه المقالة في إيصال الحقيقة إلى القُرّاء الكِرام فيتوضّح لهم أنّ هذا الكتاب المُسمى زوراً : "إنجيل" برنابا لا يمتّ لبرنابا، المؤمن بالمسيح إلهاً وربّاً ومخلِّصاً، بأي صلة ... فنحن كمؤمنين بالمسيح لا نؤمن ب "إنجيل برنابا" لأنّه:
إنجيل برنابا مُزيَّف:
وهو أساساً لا يستحقّ أن يحمل اسم "إنجيل" لأنّ من كتَبَه استغلَّ اسم "برنابا"، وهو من الأشخاص المذكورين في الإنجيل المقدّس والمَشهود عنه أنّه كان مؤمناً بالمسيح، وقد رافق بولس في مراحل عديدة من خدمته التّبشيريّة. نقرأ في سفر أعمال الرُّسُل بأنّ "برنابا" كان رفيقاً لبولس في خدمته التّبشيريّة بالمسيح في أورشليم وأنطاكية ولِستَرة وغيرهم، وهذا يعني أنّه كان يؤمن بما كان يُبشِّر به بولس وخاصّة عن موت وقيامة الرّبّ يسوع والخلاص بالإيمان بالمسيح ربّاً وفادياً ومُخلِّصاً.
- يُجمِع العلماء المُدقِّقون على أنّ هذا الكتاب المُزوَّر باسم "برنابا" لم يكُن موجوداً قبل القرن الخامس عشر، أي بعد موت "برنابا" بألف وخمسمائة عام. ثمّ لو بحثنا في التّاريخ سنجِدُ أنّ النّسخة الأصليّة لهذا الإنجيل المَنحول ظهرتْ لأوّل مرّة عام 1709، وذلك لدى "كريمر" مستشار ملك "بروسيا"، ثمّ أُخِذَتْ منه وأُودِعَتْ في مكتبة فيينّا عام 1738. وكُلّ العلماء الّذين فحصوها لاحظوا أنّ غِلافها شرقيّ الطِّراز، وأنّ على هوامِشها شروح وتعليقات باللّغة العربيّة. ويُستَدَلّ من فحص الورق والحبر المستعمَلَين في كتابتها، أنّها كُتِبَتْ في القرن الخامس عشر أو السّادس عشر. إلى ذلك فلا يوجد مخطوطة واحدة من مخطوطات الكتاب المقدّس، تتّفق مع هذا الكتاب المُزيَّف، ولا يوجد له أيّة مخطوطة من عشرات آلاف المخطوطات للكتاب المقدّس المحفوظة في متاحف العالَم.
يحتوي إنجيل برنابا على نَفَحات غير مسيحيّة
مثلاً:
• رواية الشَّبَه: جاء في الفصل الثّاني عشر بعد المئة: فاعلَم يا برنابا أنّه لأجل هذا يجب عليَّ التّحفُّظ وسيَبيعُني أحد تلاميذي بثلاثين قطعة نقود. وعليه فإنّي على يقينٍ ما أنّ من يبيعني يُقتَل باسمي، لأنّ الله سيُصعدني من الأرض وسيُغيِّر منظر الخائن حتّى يظنّه كُلّ واحد إيّاي. ومع ذلك فإنّه لمّا يموت شرّ مِيتة، أَمكُثُ في ذلك العار زماناً طويلاً في العالَم. ولكن متى جاء محمّد رسول الله المقدّس تُزال عنّي هذه الوَصمة (ف 112 : 13-17). هذه الرّواية من صميم الإسلام في القرون الوسطى.
• دعوى التّحريف: إذ يقول في الفصل الرّابع والعشرين بعد المئة على لسان "المسيح": الحقّ الحقّ أقول لكُم إنّه لو لَم يُمحَ الحقّ من كتاب "موسى" لمَا أعطى الله "داود" أبانا الكتاب الثّاني. ولو لَم يَفسُد كتاب "داود" لَم يَعهَد الله بإنجيله إليّ لأنّ الرّبّ إلهنا غير مُتغيِّر ولقد نطقَ رسالة واحدة لكُلّ البشر .. فمتى جاء رسول الله: يجيء ليُطهِّر كُلّ ما أفسدَ الفُجّار من كتابي (ف 124 : 8-10).
هذا القَول يطعَن بصحَّة الكتُب المقدّسة جميعها، الأمر الذي لا يمكن أن يصدر عن "المسيح" الذي قال في (إنجيل متّى 24: 35 ).
لأنّه كتاب مُزوَّر، فقد ضمّنه كاتبه المُزوِّر معلومات لا تمُّت لحقيقة الإيمان المسيحي بِصِلَة. فهُو يتناقض مع رسالة الكتاب المقدّس الموحى به من الله بعهدَيه القديم والجديد، كما يتضمَّن أخطاء لاهوتيّة وتاريخيّة وجغرافيّة واجتماعيّة، إضافةً إلى خُرافات عديدة ومُبالَغات لا تمُّت للواقع التّاريخي والدِّيني بأيّة صِلَة. سنورد بعضاً من كُلّ فئة فيما يلي:
- الأخطاء اللاهوتيّة في إنجيل برنابا، منها:
- يعود الكتاب بنَسَب "المسيح" إلى "إسماعيل": جاء في الفصل الثّاني والأربعين بعد المئة، أنّ المَسِيّا لا يأتي من نسل "داود" بل من نسل "إسماعيل"، وأنّ الموعد صُنِعَ بِ"إسماعيل" لا بِ"إسحق" (ف 142: 13).
- اقتَبَس الكاتب كلمات قالَها "يوحنّا المعمدان" عن "المسيح" ثمّ نَسَبَها "للمسيح" على أنّها أقوال له. مثلاً حديث دار بين "المسيح" والكهنة:
أجاب الكاهن: "إنّه مكتوب في كتاب "موسى" أنّ إلهنا سيُرسِل لنا مَسيّا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله وسيأتي للعالم برحمة الله (4) لذلك أرجوك أن تقول لنا الحقّ هل أنت مسيّا الله (تعني رسول الله) الذي ننتظره؟ أجاب "يسوع": "حقاً إنّ الله وعدَ هكذا ولكنّي لستُ هو لأنّه خُلِقَ قبلي وسيأتي بعدي".
الصّحيح هو أنّ هذا الحوار دار بين "يوحنّا المعمدان وكهنة ولاوييّن، والجواب المنسوب "للمسيح" هو في حقيقته "ليوحنّا المعمدان" عندما سأله رجال الدِّين اليهود إذا كان هو المسيّا المُنتَظَر، (إنجيل يوحنّا 1: 19 - 31 .
• الأخطاء التّاريخيّة في إنجيل برنابا، من هذه الأخطاء نذكر:
ـ مذكور في الصّفحة 30 من الكتاب بأنّ "بيلاطس" كان والِياً على اليهوديّة زمن ولادة الرّبّ يسوع المسيح.
والصّحيح هو أنّ الوالي "هيرودوس" هو الذي كان والِياً زمن ولادة الرّبّ يسوع المسيح وهذا مذكور في الإنجيل المقدّس.
أمّا "بيلاطس" فلَم يكُن والِياً إلاّ في زمن صلب المسيح، ودامت ولايته 10 سنوات تقريباً (الموسوعة العربيّة ص. 470). ومن المعروف أنّ "بيلاطس" هو من حَكَمَ على المسيح بالصّلب.
ـ في (ص30 أيضاً) يذكُر أنّه في زمن ولادة المسيح كان "حنّان وقَيافا" رئيسَي كهنة اليهود.
إنّ رَجُلَي الدِّين المذكورَين هُما من رؤوساء اليهود زمن صلب المسيح وليس زمن ولادته كما هو واضح في الإنجيل المقدّس، وأيضاً كما ذُكِرَ في الموسوعة العربيّة المُيَسَّرة ص 1410 حيث قِيل: "قيافا هو الحَبر الأعظم اليهودي الذي رَأَسَ المجمع الذي حَكَمَ على "يسوع" بالموت".
• الأخطاء الجُغرافيّة في إنجيل برنابا، سنذكر منها:
- وردَ في الكتاب المُزوَّر هذا على الصّفحات 19 و20 و157 و166، أنّ النّاصرة وأورشليم هُما ميناءان على البحر.
والواقع يقول أنّه لا يُحيط بهاتَين المدينَتَين أيّ بحر.
• الأخطاء الاجتماعيّة في إنجيل برنابا، سنورد منها اثنَين:
ـ في (ص 105) وَصْف للمُبارَزات التي تقوم بين العُشّاق.
والواقع أنّ مثل هذه المُبارَزات لَم تكُن معروفة في فلسطين في زمن المسيح، وهي لَم يكُن لها وجود إلاّ في غرب أوروبا في زمن ظهور إنجيل برنابا. وكانت هذه المُبارَزات تُعرَف هناك بالفُروسيّة. وهذا يدلّ على مَوطِن الكاتب وزمن كتابة هذا الإنجيل المُزوَّر.
ـ في (ص 218) يذكُر أنّ "يهوذا الإسخريوطي" عندما أخذوه للصَّلْب بَدَلَ المسيح (بحسب ادِّعائه) وضعوا عليه رِداءً أبيض.
والواقع أنّ الرِّداء الأبيض كان علامة الحُزن على الموتى في الأندلس (أي في أسبانيا حتّى القرن 15) (أُنظر كتاب ظهر الإسلام للأستاذ أحمد أمين الجزء 3 ص 8). وهذا يؤكِّد أنّ مُؤلِّف إنجيل برنابا المزعوم قد عاش في أسبانيا وليس في فلسطين، وأنّه لَم يكُن موجوداً في زمن المسيح، بل في القرن الخامس عشر الميلادي، كما ذكرت الموسوعة العربيّة المُيَسَّرة (ص354).
• خُرافات إنجيل برنابا المُزيَّف:
ـ في (ص 54 و55 و188) يقول إنّ الله خلقَ كُتلة من التُّراب لكي يصنع منها آدم، ثمّ تركَها خمسة وعشرين ألف سنة، فبصقَ الشّيطان عليها، فجاء "جبريل" ورفعَ هذا البُصاق مع شيءٍ من التُّراب الذي تحته فكان للإنسان بذلك سُرّة في بطنه!!.
ـ في (ص 60) يقول إنّ الشّيطان لمّا رأى الخَيل في الجنّة حرَّضَها أن تُدمِّر بأرجُلِها تلك القطعة من التُّراب التي رفَعَها "جبريل" من بطن آدم، فلمّا جَرَتْ الخَيل إليها صنع الله من تلك القطعة كلباً أخذ ينبح فخافت الخيول وهربت!!.
ـ وفي (ص 75) يقول إنّ "سليمان الحكيم" أعدَّ وليمة لكُلّ المخلوقات، فانقضَّتْ سمكة على كُلّ ما كان في الوليمة من طعام وأكلته!.
هذا غَيضٌ من فَيضِ الزِّيف الموجود في "إنجيل برنابا" المزعوم.
ومع كُلِّ ما ذكَرناه سابقاً إلاّ أنّنا لَم نُشِر إلى عدم اتِّفاقه مع تعاليم الإسلام، تاركِين للمسلمين فحصه والتّدقيق في مضمونه ليكتشفوا زِيفه بأنْفُسهم.
الكتاب المقدّس، هل أصابه التّحريف؟
الكتاب المقدّس، هل له مخطوطات وأين توجد؟
هل يوجد إنجيل واحد أم عدّة أناجيل؟