يُخطئ البعض في اعتبار أنّ الطّلاق بين الزَّوجَين ممنوعاً قطعاً في الايمان المسيحي. والصّحيح هو أنّ الطّلاق صعب جدّاً ومحصور في شرطٍ وحيدٍ بحسب مشيئة الله في الإنجيل المقدّس
والشّرط هو إثبات خطيئة الزّنى تجاه أحد الزّوجَين، وتوفُّر شرط الزّنى لا يعني إلزاميّة الطّلاق، إذ يمكن لأحد الزّوجَين أن يسامح شريكه تاركاً باب التّوبة مفتوحاً. يرى كثيرون أنّ الله قد صعّب الطّلاق، إذ عزل أسباباً كثيرة يرونها مشروعة تُبيح تطليق الرَّجُل لزوجته أو مطالبة الزّوجة بتطليقها من زوجها، ومن هذه الأسباب التّعنيف الشّديد، سوء الأخلاق، عدم الإنجاب، عدم الانسجام جنسيّاً، والفتور وانعدام المحبّة إلخ ...
لكنّنا نرى عكس ذلك تماماً، فالرّبّ يسوع المسيح قد صعّب الطّلاق جدّاً فجعله مرهوناً أو مشروطاً بعلّة الزّنى، لأنّ الزّواج مقدّس ومن الضّروري المحافظة على قدسيّته وعلى العائلة وعلى طهارة العلاقة، وإبعادها عن أيّ معوِّق قد يقف حائلاً دون استمرارها، ولأنّ مخطّط الله منذ البدء (من آدم وحواء) أن يكون الرّجُل والمرأة جسداً واحداً في الزّواج المقدّس، وأنّ ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان (مرقس 10: 9 )، لذا فإنّ دخول شخص آخر إلى العلاقة الزّوجيّة (علاقة جنسيّة غير شرعيّة) هو كَسرٌ لهذا الرّابط المقدّس وتحدٍّ خطير لوصيّة الله، ممّا يُشرّع الطّلاق بين الزّوجين. ولمّا سأل اليهود الفرّيسيّون الرّبّ يسوع عن ذلك كما نقرأ في إنجيل متّى 19: 8 .
وحتّى نفهم لماذا الطّلاق صعب بل محصور بشرط الزّنى، سنقف عند عدد من الحُجج التي يعتبرها آخرون سبباً لازماً للطّلاق:
عدم الإنجاب
لا يعترض أحدٌ على أنّ الأساس من الزّواج، هو تأسيس عائلة تتألّف من زوج وزوجة وأولاد. لكن قد يحصل أنْ لا يَنعم الزّوجان بالأطفال لأسباب مختلفة، منها ما يعود إلى الزّوج أو إلى الزّوجة أو إلى ظروف خارجيّة تَحول دون الإنجاب. فلو قال الرّبّ بوجوب الطّلاق لسبب عدم الإنجاب، فكم من الأزواج ستتفكّك علاقتهم وينحلّ الرّابط المقدّس الذي جمعهم، بالرّغم من محبّتهم لبعضهم البعض وتعاهدهم على العيش معاً تحت سقف واحد؟ ماذا لو تطلَّقا ثمّ تزوّج كلّ منهما بآخَر وشاءت مشيئة الله أن لا يُنجِبا أيضاً؟ هل سيتطلّقان من جديد؟ وماذا لو حصل ذلك وتكرّر الأمر مرّات عدّة؟ أين الحلّ يا ترى؟ لا يوجد حلّ إلا بالخضوع لمشيئة الله، والاقتناع بعدم الإنجاب والعيش معاً بمحبّة ووئام راضيَين بإرادة الله لهما، ومن الحلول هو تبنّي طفلاً لا عائلة له، فيكونان له أباً وأمّاً يربّيانه ويرعيانه ليصبح بمثابة الابن الطّبيعي بكلّ ما للكلمة من معنى.
التّعنيف
طبعاً ومن المستحيل أن يرضى أحد الزّوجَين بتعنيف شريكه له بشكل متفاقم ومُضِرّ ومُهين، وقد يعتبر قوم من النّاس أنّه سبب لطلب الطّلاق. لكن هل الطّلاق يحلّ مشكلة الإنسان الذي يُعنِّف شريكه؟ ماذا لو تزوّج بأُخرى أو تزوّجت بآخر وجرى بينهما الأمر نفسه؟ تعنيف الزّوج لزوجته هو حالة نفسيّة مَرَضيّة ينبغي حلّها بمعزل عن الطّلاق وذلك من خلال اختصاصيّين من أجل التّخلُّص من هذه الآفة المَرَضيّة وإعادة الجوّ السّليم إلى العلاقة الزّوجيّة. هذا من النّاحية الطّبيّة، لكن يوجد حلّ آخر تابع للعلاج الطّبي وهو أن يخضع الزّوجان وخاصّةً الزّوج المُعَنِّف، لكلمة الله ووصاياه، إذ هو الباب الذي يدخلان منه إلى حياة عائليّة سعيدة. لقد أوصى الله الزّوج بالاعتناء بزوجته وبمحبّتها ورعايتها، ولقد أوصى الزّوجة بالخضوع لزوجها وإعانته، فالالتزام بهذه الوصايا دواء شاف ومِعبَر إلى حياةٍ زوجيّةٍ هادئةٍ هانئة. بمعنى آخَر، ولتحاشي الطّلاق أو ما شابهه، ومن أجل حياة عائليّة سليمة، ينبغي على الزّوجين السّعي بجديّة لطاعة وصايا الله في الإنجيل المقدّس إذ نحن ينبغي علينا أن نَخضَع لكلمة الله لا أن نُخضِعها لنا. (أفسس5: 22-29 ).
عدم الانسجام
يُبرّر كثيرون من الأزواج رغبتهم بالطّلاق بسبب عدم الانسجام المتبادل بين الزّوجين أو واحد منهما تجاه الآخر، ممّا يؤدّي إلى علاقة زوجيّة ناقصة وغير متكافئة، وهذا قد يسبّب مشاكل تنعكس سلباً على الجوّ العائلي برُمّته. لذا أفضل طريقة لتفادي هذه المشاكل والتّخلُّص من عدم الانسجام هو الطّلاق. إنّ من يتستّر بعدم الانسجام مع زوجته من أجل الطّلاق إنّما هو إنسان مستهتر بعائلته وبشريكته لأنّه لم يبادر إلى البحث عن حلّ سليم يساعده في وضع حدّ لعدم انسجامه مع زوجته، بل شاء استخدام وسيلة لا تُرضي الله. حلّ مشكلة عدم الانسجام مع الشّريك الزّوجي يكمن في طلب المشورة والإرشاد من اختصاصيّين سواء كانوا أطبّاء نفس أو رِجال دِين مختصّين. وما دامت نيّة تصحيح الخطأ بشكل صحيح موجودة لدى طَرفَي الزّواج فإنّ نسبة إمكانيّة التّخلُّص من هذه المشكلة ستكون مرتفعة جدّاً، وبالتّالي يتفادى الزّوجان الطّلاق.
الانفصال بين الزّوجين
بمعزل عن الطّلاق فإنّه يوجد في الإيمان المسيحي ما يُعرَف ببُطلان وفسخ الزّواج والهجر، فبالرّغم من أنّ النّتيجة هي نفسها التي للطّلاق أي الانفصال الزّوجي، غير أنّ أسباب بطلان وفسخ الزّواج لها أسباب خاصّة تَقبل بها طوائف مسيحيّة في حال ثبوتها بالأدلّة والبراهين القطعيّة، مثال على ذلك: إثبات عدم أهليّة أحد الزّوجين للزّواج بسبب مرض عُضال سابق للزّواج وقد أُخفِيَ عن الشّريك عمداً، أيضاً إذا توفّر عنصر الإكراه في الزّواج أي إجبار واحد من الزّوجين على الارتباط بالآخَر عُنوة وتحت الضّغط.
صديقي القارئ، الحياة الزّوجيّة والعائلة نواة لمجتمع إنساني سليم وصحيح، فبقدر ما يكون البيت الزّوجي متيناً فبقدر ما يكون المجتمع آمِناً وصحيحاً. أنت زوج؟ اِرعَ زوجتك بما يُرضي الله ... أنتِ زوجة؟ اخضعي لزوجك كما يوصيك الله. أنتما مُقبِلان على زواج؟ تهيّأا جيّداً وتسلّحا بالإيمان وبكلمة الله وصلِّيا للرّبّ أن يرعاكما ويمنحكما بيتاً سعيداً.
الزّواج مقدّس من الله، فلماذا لا تسمحون بتعدُّد الزّوجات مع أنّه يُمارَس في الكتاب المقدّس؟