يؤمن المسيحيّون أنّ الكتاب المقدّس هو كلمة الله الموحى بها بالرّوح القدس إلى أشخاص من مستويات مختلفة لكي يدوّنوها بكلّ أمانة.
فكما ورد في السّؤال، فإنّ الكتاب المقدّس يتألّف من عهدَين: العهد القديم والعهد الجديد، ومعاّ يشكّلان وحدة متكاملة في إعلان مشيئة الله في الخليقة وخاصّة من جهة الإنسان وعلاقته بالله، منذ أن خلقه الله وحتى بلوغه مصيره الأبدي، وعلى هذا الأساس يمكن القول، بكلّ يقين، إنّ العهد القديم يشكّل أساساً أو مقدّمة طويلة للعهد الجديد، بحيث لا يمكن فصل الواحد عن الآخر. ويبقى الكتاب المقدّس كتاب الله النّافع لكلّ إنسان على وجه الأرض، كما هو مكتوب في الإنجيل المقدّس في رسالة تيموثاوس الثانية 3: 16 .
وحدة العهدَين في الكتاب المقدّس:
لقد أوحى الرّوح القدس، أي روح الله، لأنبياء الله ورُسُله على مدى 1600 سنة تقريباً، بتدوين كلمة الله ففعلوا ذلك بأمانة تامّة. فنقرأ في رسالة بطرس الثانية 1: 20 - 21 .
لكي نجيب بوضوح عن السّؤال أعلاه ينبغي أن نعلم ما الفرق بين العهد القديم والعهد الجديد.
يضع العهد القديم الأساس للتّعاليم والأحداث الموجودة في العهد الجديد. فوحي الكتاب المقدّس هو وحي تدريجي. فإن تجاهلتَ قراءة الجزء الأوّل من أيّ كتاب هامّ فستجد أنّه من الصّعب أن تفهم كلّ الشّخصيّات الموجودة في الكتاب والقصّة ونهايتها. فيمكن استيعاب ما هو موجود في العهد الجديد عندما نتعامل معه باعتباره يكمّل العهد القديم.
العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد هي علاقة وحدة وترابط، فكلّ من العهدَين مصدر وحيه الله الواحد من أجل هدف رئيسي يهمّ البشريّة كلها، وهو الخلاص الذي في الوقت المعيّن حقّقه الله في شخص السّيّد المسيح.
فالعهد القديم من الكتاب المقدّس في أسفاره كافّة كان يؤسّس للعهد الجديد، أي عهد تجسُّد الرّبّ يسوع وتتميمه عمله الخلاصي بموته وقيامته ووعده بمجيئه ثانية في آخر الأيّام، هذه الحوادث أشار إليها العهد القديم بشكل مباشر أو برموز معيّنة.
فإن كان لدينا العهد الجديد فقط، لكنّا سنقرأ الأناجيل من غير أن نفهم سبب انتظار اليهود للمسيّا (المخلّص الملك)، ولم نكن لنفهم سبب مجيء المسيّا للأرض (سِفر إشعياء 53)، ولن نتمكّن من التّعرّف على يسوع الناصري كالمسيّا المنتظر من خلال النّبوءات العديدة التي سبقت مجيئه، والتي تناولت ميلاده (سِفر ميخا 5: 2
، وموته (مزمور 22: 1 و7 - 8 و14 - 18
،ومزمور 69: 21
)، وقيامته (مزمور 16: 10
.
فإنّه من غير العهد القديم، لا يمكننا أن نتعرّف على العادات اليهوديّة، والتي تُذكَر بصورة عابرة في العهد الجديد، ولن نتمكّن من تمييز العادات المضافة لشريعة الله والتي قام الفرّيسيّون بخلطها مع كلمة الله، ولن نتمكّن من فهم سبب غضب يسوع عند تطهير الهيكل، ولن نتمكّن من فهم الحكمة التي تكلّم بها يسوع للردّ على معارضيه (البشر والأرواح الشّرّيرة).
وبالطّريقة ذاتها، فإنّنا نجد في أناجيل العهد الجديد وأعمال الرُّسُل إتمام النّبوءات المدوّنة منذ مئات السّنين في العهد القديم، وتتعلّق هذه النّبوءات بمجيء المسيح وظروف ميلاده وحياته وموته وقيامته. هذه التّفاصيل هى التي تعضد إعلان المسيح بأنّه المسيّا المنتَظَر. وكذلك نبوءات العهد الجديد (نجد الكثير منها في سفر الرّؤيا) بأنّها مبنيّة على النّبوءات القديمة الموجودة في كتب العهد القديم.
وأيضاً لأن الوحي الكتابي هو وحي تدريجي، فالعهد الجديد ينير أذهاننا عن أشياء مشار إليها فقط في العهد القديم، فالرّسالة إلى العبرانيّين تصف يسوع المسيح برئيس الكهنة والذي تحلّ تضحيته محلّ كلّ التّضحيات الأُخرى. والعهد القديم يقدّم لنا الشّريعة في جزأَين: الوصايا والبركات المستحقّة عن طاعته، واللّعنات المستحقّة عن عصيانه. والعهد الجديد يوضّح أنّ الله أعطى الإنسان الوصايا ليعلّمه احتياجه للخلاص وليس كوسيلة للخلاص (رسالة رومية 3: 19
).
والعهد القديم يصف نظام التّضحية بأنّه نظام مؤقَّت منحه الله لشعب إسرائيل لتغطية خطاياهم. والعهد الجديد يوضّح أنّ هذا النّظام كان تمهيداً لتضحية المسيح الذي من خلاله وحده الخلاص، (أعمال الرّسل 4: 12 ، والرسالة إلى العبرانيّين 10: 4 - 10 ).
والعهد القديم يصف الجنّة الضائعة بينما يصف العهد الجديد استرداد الإنسان لحقّه في الحياة الأبديّة من خلال المسيح. وكما يصف العهد القديم انفصال الإنسان عن الله كنتيجة للخطيّة (سِفر التكوين 3)، يصف العهد الجديد قدرة الإنسان على استرداد علاقته مع الله (رسالة رومية 3 - 6). وتوجد في العهد القديم نبوءات عن حياة المسيح.
تهيئة وتحقيق الفداء في الكتاب المقدّس
وللتّلخيص، فإنّ العهد القديم يطرح الأساس لتهيئة شعب إسرائيل لمجيء المسيّا الذي سيُضحّي بنفسه من أجل خطاياهم (ومن أجل خطايا العالم). والعهد الجديد يصف لنا حياة المسيح على الأرض ثمّ يدقّق النّظر في ما صنعه المسيح وكيف ينبغي أن نستجيب لهِبَة الحياة الأبديّة وأن نعيش حياتنا معترفين بصنيعه معنا (رسالة رومية 12). فكلا العهدَين يوضّحان طبيعة الإله القدّوس، الرّحيم، الصّالح، العادل الذي كان يجب أن يحاسبنا على الخطيئة، والذي يبغي شركة عميقة مع الإنسان من خلال مغفرة الخطايا المقدمة من خلال تضحية أو فداء المسيح على الصّليب لدفع ثمن خطايا الانسان. وفي كلا العهدَين يُظهر الله لنا نفسه وكيف يمكننا أن نأتي إليه من خلال يسوع المسيح، ومن خلال العهدَين نجد كلّ ما نحتاجه لكي نحيا حياة ممجَّدة وأبديّة (رسالة تيموثاوس الثّانية 3: 15 - 17 ).
- بعد هذا الشّرح عن علاقة كتاب العهد القديم (التّوراة) بكتاب العهد الجديد، نشجّعك أيّها القارىء الكريم على قراءة الكتاب المقدّس والتّمتُّع بمضمونه المبارك والتّعرُّف عن قُرب على شخص السّيّد المسيح وما صنعه من أجلك. الكتاب المقدّس هو طريقك الصّحيح والصّريح لتعرف مشيئة الله لحياتك، وكما يقول الوحي على فم رسول المسيح بولس في رسالة رومية 15: 4 .