عزيزي مُحرّر باب مُشكلتك لها حلّ، تحيّة المحبّة،
أكتب لك بعد أن أعياني البحث، وبعد أن ضاقت بي السّبُل، بعد أن رُحت يميناً وشمالاً في كلّ اتّجاه، علّي أجد الطّريق للخلاص ممّا أنا فيه، لكن دون جدوى،
حتّى فقدت كلّ أمل في الإصلاح ....
سيّدي، لست أعرف كيف أبدأ، وأنا الإنسان الذي ميّزه الله بعطايا وهبات يحلم الكثيرون بها ويتمنّونها، من أب صالح وأُمّ فاضلة ثمّ أُسرة مُستقرّة وعمل يُدرُّ دخلاً لا بأس به، يكفينا لنحيا أفضل من الكثيرين ممّن حولنا. ربّما أكون أطلت عليك في مُقدّمتي هذه، وأكاد أجزم أنّك الآن تتساءل، ما هي المُشكلة إذاً؟! المُشكلة يا سيّدي هي أنّني جاهل جاحد، وأنا لا أستحقّ النّعَم الكثيرة التي حباني الله بها، فأنا في مُقابل ذلك عبد حقير للكثير من العادات القبيحة والشّهوات التي تُسيطر عليّ وتذلّني، ولقد حاولت مراراً كثيرة أن أتغيّر وأن أُقلع عن تلك الأمور، لكن لا فائدة!!.
كثيراً ما صلّيت طالباً التّوبة والصّفح والغفران، سائلاً الله أن يُعطيني البداية الجديدة، لكنّها لم تأت ويبدو أنّها لن تأتي أبداً!!.
كثيراً ما عاهدت نفسي بل وعذّبتها بذُلّ وقمع وقهر حتّى لا أعود للخطأ مرّة أُخرى، لكن كانت النّتيجة دوماً أن أشعر بالنّصرة وأختبرها ليوم أو لعدّة أيّام قلائل، ثمّ إذ بي أعود من جديد مرّة أُخرى للخطيّة، وهذه هي حياتي لسنوات طويلة بلا أدنى أمل أو رجاء. نعم، هكذا تسير بي الأيّام، هزائم طويلة وكثيرة ومريرة يتخلّلها دقائق نُصرة قليلة ومُتباعدة، سريعاً ما تمضي قُدماً لتأتي الهزائم من جديد وهكذا ....
لقد كرهت حياتي، واحتقرت نفسي، بل ومعذرة، لقد خاصمت ربّي الذي لم تتّسع رحمته لخاطىء مثلي. والآن، هل من كلمة لديك لتقولها لي.
الإمضاء
العبد الذّليل المطرود من رحمة الله
لا يا صديقي العزيز،
لا أريدك أبداً أن تيأس من رحمة الله، فرحمة الله ـ التي صَفَحتْ وما زالت تصفح عن أعتى المُجرمين الذين تابوا ـ يُمكنك أنت أيضاً أن تجدها وأن تتمتّع بها، فهو لم ولن يُغلق بابه في وجه عبيده أبداً. إنّ المُشكلة هي دائماً وأبداً ـ عزيزي ـ فينا نحن، ونحن نُخطىء مرَّتَين، مرّة حينما نرتكب الخطأ، ثمّ مرّة أُخرى حينما نقع في خطأ تصوُّرِنا أنّ الله قد نسينا أو حجب وجهه عنّا، ممّا يزيد المُشكلة تعقيداً!!.
إنّ هذا الصّراع الذي تصفه هنا، هو صراع الإنسان الدّائم في كلّ زمان ومكان ضدّ نتيجة الخطيّة وثمرها الذي حصدناه من جرّاء خطيّة آدم التي ورثناها، يقول الوحي المُقدّس: "لأن الجسد يشتهي ضد الروح و الروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتّى تفعلون ما لا تريدون" (غلاطية 5: 17).
كلّ ما أريد أن أقوله لك هو إنّ اختبار النُّصرة ممكن وقابل للحدوث فلا تيأس، لكنّي أيضاً أحتاج أن أذكِّرك أنّك لن تستطيع أن تتغلّب على الخطيّة بقوّتك الذّاتيّة، إنّما أنت تحتاج لقوّة الله لتُعينك، وهذا أمر قابل للحدوث إن أنت أخضعت حياتك له بالكُليّة.
كذلك أنت تحتاج أيضاً أن تقطع علاقتك تماماً بكلّ وسيلة تجُرّك للخطيّة والعبوديّة، مثلاً، إن كانت لديك مجلة جنسيّة أو محطّة فضائيّة، أو صداقة أو علاقة، أو أيّ شيء من هذا القبيل، وأنت تعرف أنّ هذا الشّيء يضرّك ويُؤذيك، فإنّه يكون لزاماً عليك أن تقطع كلّ علاقة لك فوراً بمثل هذه الأمور، وإلّا فلا فائدة تُرجى من مُحاولاتك للنُّصرة والغَلَبة على الخطيّة والعُبوديّة، فضلاً عن أنّك تكون بذلك تخدع نفسك وتفتري على الله!!.
كذلك فأنت تحتاج أن تعرف الله وتقترب منه أكثر بالصّلاة والقراءة اليوميّة المُنتظمة في كلمته المُقدّسة الحيّة (الكتاب المقدّس)، القادرة أن تُقوّيك وتُمكّنك أن تحيا حياة الفوز والغَلَبة.
بَقِيَ أن أقول لك: "عندما تُخطىء، تُب عن خطيّتك فوراً ولا تفشل بل تماسك، وابدأ من جديد وعاود المحاولة لأنّك لا بدّ ـ بمعونة الله ـ ستنجح أخيراً". سأُصلّي لأجلك وسأنتظر أن تُشاركني في رسالة أُخرى جديدة منك بأخبارك المُفرحة، والرّبّ معك.