الأخ المسؤول عن باب المُشكلات
أنا إنسانة شرّيرة وفاسدة وظالمة وسيّئة لأقصى حد، أنا أعرف ذلك يقيناً وأعترف به
، كما قد يعرفه جيّداً كلّ من يتعاملون معي في كلّ مكان أوجد فيه، لست أعرف هل أنا معذورة ممّا أنا عليه أم لا، اسمع قصّتي وبعدها أُحكم أنت بنفسك!!.
لقد نشأت في أسرة متوسّطة الحال مثل الكثيرين من حولنا، الأب يكدّ ويكافح لتوفير الضّروريّات لنا. كنت فرحتهم الأولى إلّا أنّ تعطُّل أبي عن العمل لظروف خاصّة، وبُعد المكان الذي كنّا نسكنه عن المدرسة، اضطر أبواي أن يُخرجوني من المدرسة في سنيّ دراستي الأولى في المُحافظة التي كنّا نسكن بها. بعدها ولمّا صار الحِمل أثقل على أبي، نزحنا جميعا للقاهرة لنعيش فيها حيث أوسع الله علينا ورزق أبي بدخل جيّد ورزق الله أبواي بابنتين إناث وولد ذكر.
شاءت الظّروف التي حكيت لك عنها أن أُحرم أنا من التّعليم الثّانوي بينما أنهى إخوتي جميعهم التّعليم وحصلوا على مؤهّلات علميّة وهي حتّى ولو كانت ضعيفة لكنّها خير منّي إذ لم أجد فرصة للتّعليم العالي. لكن ستستغرب سيّدي إن أخبرتك أنّ أمراً كهذا وإن سبّب لي آلاماً وجرحاً نفسيّاً، إلّا أّنّه ليس هو مُشكلتي الأكبر، لكنّي فقط أردت أن أشاركك بهذه الخلفيّة لا أعلم لماذا، فلربّما تفيدك عندما تقدّم نصيحتك لي، لست أدري!.
مُشكلتي أنّني قبيحة، دميمة، لا يطيق النّاس ولا أنا نفسي شكل خلقتي حتّى لقد صرت أهرب من الوقوف أمام المرآة مثل بقيّة البنات.
أنا الآن بلغت سنّ الثّامنة والعشرين وأشعر أنّ قطار الزّواج قد فاتني أو كاد، بينما أختاي الاثنتان في الرّابعة والعشرين والسّادسة والعشرين بدأ الخُطّاب يتردّدون عليها يطلبون ودّهما من كلّ صوب، من جيران وأقارب وزملاء في العمل، لا سيّما أنّهما أجمل منّي بما لا يُقاس، ممّا جعل الحقد والغيرة يأكلان قلبي حتّى تجاه أقرب الأقربين. حتّى والدتي، مع أنّني أشعر بمحبّتها وتعاطُفها معي، إلّا أنّي أرى في عينيها إشفاقا عليّ يجرحني، وأشعر ألّا أمل عندها في زواجي. نعم، أنا لست مُتعلّمة، لكن ألست إنسانة ولي مشاعر حسّاسة!؟
نصحوني بعمليّة تجميل، فضحكت من قلبي المكسور الدّامي حسرة ومرارة وألماً، فمن أين لنا بهذا كلّه، كالجوعان الذي سألوه لماذا لا تأكل في فندق وهو بالكاد يجد قوت يومه هذا لو وجده أصلاً!.
والآن هل تعرف ما الذي أعمله؟ إنّني أُشوّه صورة كلّ فتاة جميلة أعرفها أمام من يُريد أن يرتبط بها، سواء من قريب أو بعيد، بل حتّى إخوتي، أسعى جاهدة بافتراءات وأكاذيب لأن أُظهرهم في صورة سيّئة أمام الجميع باختلاق قصص وحكايات بل ومُغامرات عاطفيّة ساخنة لا علاقة لهم بها، ولا أهدأ إلّا حين يفشل مشروع ارتباط يسيرون فيه، وهم بالطّبع يستغربون لفشل قصص الارتباط من مهدها دون أن يتصوّروا مُطلقاً أنّ أختهم هي البطل الرّئيسيّ في خطّة الإفشال هذه!.
سيّدي، قُل لي ماذا أعمل؟ وقُل لي لماذا يسمح الله بمثل هذه الأمور، وما الذّنب الذي ارتكبته أنا لأكون هكذا، وما ذنب إخوتي ومعارفي لأعمل معهم ما أنا أعمل؟ وإن كان لي عندك كلمة نصيحة فقُلها لي، فأنا في شديد الاحتياج، ولربّما ينصلح حالي وتنفكّ عُقدتي ........
أختي الفاضلة،
نعم لك عندي كلمة وأرجوك أن تلتفتي إليها جيّداً.
أنت عزيزتي مُستغرقة ومُستسلمة تماماً لأفكارك ومخاوفك وهواجسك، بينما أنا أريدك أن تكوني أقوى كثيراً من هذا.
تُعطي الحياة لبعض النّاس الشُّهرة، وللبعض الآخر النّجاح، ولبعض ثالث صحّة أو مجداً أو رزقاً أو خيراً، وهي أيضاً نفسها التي تُعطي للآخرين أيضا كوارث أو مصائب أو هزّات أرضية أو أزمات اقتصاديّة تودي بالألوف في غمضة عين دون أن يدروا!، ودونما أيّ ذنب اقترفوه! أ ليست هذه هي الحياة؟!
نحن نعلم أيضاً أنّ الله هو مُوزّع الأرزاق وحافظ الكون بقبضة يده، يُعطي من يشاء ويمنع عمّن يريد شيئاً أو أمراً ما، لحكمة هو يعلمها وهو الأدرى والأحكم.
لكنّي أريد أيضاً أن أقول إنّ بعض النّاس وقفت أمامهم الصّعاب أو الظّروف فقتلتهُم إذ هم استسلموا لها، والبعض الآخر الذي أدعوك من كلّ قلبي أن تكوني منهم، وقفوا أمام الصّعاب فروّضوها أو حتّى تسلّقوها أو التفّوا من حولها وواصلوا المسير!, هل تُراكِ تفهمين كلامي جيّداً؟
إنّ بعض النّاس ينظرون للنّصف الفارغ من الكوب فيتحسّرون عليه، فيفقدون حتّى بركة النّصف المُمتلىء، بينما البعض الآخر يحمدون الله على النّصف المملوء ويشربونه فيروي ظمأهم وسط بريّة قاحلة!. هل قرأتِ وسمعتِ عن مُتحدّي الإعاقة أو عن "هيلين كيلر" التي فقدت حواسها وحركتها، لكنّها ارتفعت فوق هذه المصائب كُلّها وتمتّعت بحياتها. لذا لا تجعلي حياتك تتوقّف عند هذا الحدّ بهذا الشّكل المأساوي يا أختي العزيزة وإلّا فإنّك ستفقدين الحياة كلّها. الحياة جميلة إن أنَرنا شمعة بدلاً من أن نلعن الظّلام!. صدّقيني وأصلّي أن تتجاوبي مع كلماتي. ليُعطك الرّب فَهماً وقُبولاً.
ما يُمكنني أن أقوله لكِ بخصوص القُبح أو الجمال، هو أنّه أمرٌ نسبيّ وليس مُطلَق، لكن كلّ ما أقوله لك أيضاً إنّ الجمال الحقيقي هو جمال القلب الدّاخلي والنّفس الشّبعانة وليس جمال الخِلقة الخارجي الذي يزول!.
أنا لا أُريدك أن تستسلمي وتُبتلي بمثل هذا الأسلوب الذي تعيشين به، لكنّي أودّ أن أنصحك أن تُغيّري أسلوب تفكيرك ونظرتك للأمور. أنت تخسرين نفسك وتخسرين من هم حولك بطريقة لن تعود عليك بأيّ نفع.
أختي العزيزة، أَصغي لي جيّداً، إنّنا نستمدّ قوّتنا وشخصيّاتنا ومعنى حياتنا من محبّة الله وقبوله لنا كما نحن، ومن ثمّ من احترامنا لذواتنا وتقديرنا لها. والنّاس يُحبّوننا ويُقدّروننا بقدر قُبولنا نحنُ لأنفُسنا. لا ينظر النّاس الحُكماء للمظهر الخارجي ولا يُعوّلون عليه كثيراً، فكم من جميلة لكنّها حمقاء خسرت النّاس ولم تكسب ودّهم، فصار الجمال لها نقمة ولعنة وليس بَرَكة ونعمة. أنا متأكّد أنّك لست قبيحة بهذا الشّكل الذي تُصوّرينه إنّما تركيزك وتفكيرك المُستمرّ في هذا الأمر هو الذي يزيد المشكلة تعقيداً. لذا اقبلي نصيحتى أختي وانطلقي للحياة وتبسّمي لها فتبتسم لك. أَحبّي الله وتعايشي مع شكلك ومظهرك والْتفتي لاكتساب مهارات لتعوّضي ما فاتك بدلاً من البُكاء على لبن قد انسكب ولن يُعيد البكاء عليه شيئاً لنا.
أُشجّعكِ ألّا تستسلمي، تعلّمي، أُخرجي من ذاتك، فقد أعطاكِ الله أموراً أُخرى كثيرة جميلة كالأُسرة والصحّة والنّاس من حولك و.... بينما قد لا يجد الكثيرون مثل هذه الأمور.
خُلاصة القول، أَخرجي نفسك من هذه الدّائرة الغبيّة القاتلة، نعم، أُخرجي عن ذاتك ولا تضعي مُشكلتك نصب عينيك. لا تُشفقي كثيراً على ذاتك ودعي الأمور تسير. اقتربي من الله واطلبي غفرانه، أحبّي الذين من حولك وأَخلصي لهم، وأنا أثق أنّه لمّا تتغيّر نظرتك للأمور ستسير الأمور معك للأفضل.