عزيزي المسؤول عن باب المُشكلات ..... أكتب إليك اليوم وإن كُنت لا أعلم هل ستُرحّب بي أو تُقدّم نصيحة لمُشكلتي مثلما
تعمل دوماً مع مُراسليك عبر نافذتك الرّائعة التي ألمس بنفسي كم هي مُفيدة ونافعة وأثق أنّها كذلك ليست لصاحب المُشكلة المعني بها فقط بل لكثيرين أنا نفسي منهم إذ، أنّني مُتابعة جيّدة لموقعكم المتميّز وخاصة بابك المُفيد. وسبب تردّدي أنّ مُشكلتي في مضمونها تختلف تماماً عن الكثير من المُشكلات التي تصلك كما سترى .... أنا زوجة أبلغ من العمر 31 سنة، وأم لطفلين في السّابعة والرّابعة من العُمر، تزوّجت من زميل لي بالجامعة بعد قصّة حبّ طويلة، وقد تمّ الارتباط من دون صعوبات شديدة لأنّه كان ميسوراً مادّيّاً بينما كنت أنا من مستوى مادّي أقل. مُشكلتي الآن هي أنّ زوجي عصبي وحادّ الطّباع جدّاً وهذا بالطّبع لم يكن بادياً بهذه الحدّة في بداية ارتباطنا وإلّا لما كنت قد وافقت على الاقتران به أبداً!. لكن أنت تعلم أنّ أيّام الحبّ الأولى والخطوبة إنّما هي تختلف اختلافاً جذريّاً عن العِشرة بعد الارتباط، ونحن على أيّ حال لم تطُل فترة ارتباطنا غير الرّسمي سواء بالتّعارُف أو الخطبة. لكنّي الآن أعاني ولا أعلم كيف يُمكنني أن أُكمل حياتي معه هكذا ولست أظنّ أنّني سأقدر!. لست أعرف كيف أكتب وماذا أقول وأنا متأكّدة أنّك مهما أطلقت لخيالك العنان فلن يكون بمقدوك على أيّ حال أن تتصوّر أو تُدرك ما أنا أعانيه!، ولأعطيك نموذجاً واحداً، هل تتصوّر زوجاً يضرب زوجته ضرباً مُبرِّحاً ومُؤلِماً جدّاً يترك آثاراً طويلة تدوم، لمُجرّد أنّه أتي من العمل ولم يكن الطّعام جاهزاً تماماً (كان سيكون كذلك خلال ربع ساعة!!). هل تتصوّر أنّه لا يحقّ لي استقبال أيّ من أصدقائي أو أقربائي بالمنزل بحجّة أنّه دوماً مُتعَب ويحتاج للرّاحة، بينما الوضع يختلف بالطّبع تمام الاختلاف تجاه أهله هو وأقاربه ومعارفه وأصدقاءه!. هل تُصدّق أنّه يسبّني بأقذع الشّتائم التي لا تسمعها في الشّارع ونحن جامعيّان لمجرّد أن أقول رأياً لا يعجبه في أيّ من أمور الحياة العاديّة حتّى غير الخطير منها، ويتّهمني بالغباء والجهل وسوء تقدير الأمور أمام القريب والبعيد حتّى صرت أؤثِر الصّمت، وممنوع عليّ إبداء الرّأي في أيّ أمر من أمور الحياة، حتّى تلك التي تخصُّني أو تخصّ الأولاد، والأدهى أنّني حينما بدأت أنتهج هذا السّلوك الانسحابي صرتُ أُتّهَم منه باللّامُبالاة والسّلبيّة فصرت عاجزة عن فعل أيّ شيء ولست أعرف كيف أُرضيه دون أن أتعرّض لتقريع أو تجريح!. أمّأ عن الأولاد فحدّث ولا حرج، فهُم مذعورون منه ويرتعدون لمُجرّد سماع صوته، ولقد بدأت المشاكل النّفسيّة تظهر عليهم مُبكّراً وهم يسمعونه ويرونه وهو لا يتورّع عن لطمي وضربي أمامهم وهم يبكون في صمت وذُعر، لكنّهُم لا يملكون من أمرهم شيئاً ليعملونه تجاه هذه المهازل اليوميّة التي تحدث أمامهم وتعجز عقولهم الصّغيرة عن فهمها أو استيعابها!!. هل تعلم أنّ أهله أنفسهم مُتعاطفون معي ومع كلّ ما يحدث لي وإن كان تعاطُفهم لم يتعدّ الأقوال والتّعبير الشّفهي!. لقد بذلت معه كلّ مجهود لكنّه كان يعتذر أحياناً قليلة ومُتباعدة ويَعِد ألّا يعود لهذا السّلوك الهمجي من جديد، لكنّه ما يلبث أن يعود، وهو يقول لي إنّ الزّوجة الحكيمة تحتمل زوجها مهما عمل!. بقي أن أقول لك أخيراً (معذرة، لتكتمل حيرتك أو صدمتك!) إنّ زوجي طبيب وهو يتناول أدوية بانتظام لا أعرف ما هي، وهو يعترف أنّ طفولته كانت قاسية لكنّه مع ذلك يتّهمني أنا ـ بين حين وآخر ـ بعدم الاتّزان النّفسي وعدم النّضج!. أنا مُحبطة، بل يائسة ومُنهارة. أرجوك ساعدني .....
أختي العزيزة صاحبة الخطاب ..... دعيني أوّلاً أُعبّر عن شديد تعاطُفي معك فيما أنت تمُرّين فيه وتُعانين منه، وقصّتك بكل أسف شديدة التّعقيد لكن هناك دوماً أمل ورجاء، ونحن نشكر الله أنّه ما زال معنا وبابه مفتوح ليُخفّف عنّا ... دعينا نعترف بأنّه كان يجب عليك معرفة زوجك جيّداً قبل الارتباط، حتّى لو بدا أمراً كهذا لا مجال لذكره الآن. لكنّني أُقدّمه نصيحة لكلّ فتاة مُقبِلة على الزّواج، ألّا تستعجل الأمر من دون دراسة مُتأنّية ومعرفة مُستفيضة ومُدقّقة، لأنّ الزّواج أخطر بكثير من أن نُسرع في إتمامه من دون دراسة وتدقيق، وصلاة ومعرفة وثيقة وجيّدة بالطّرف الآخَر الذي سنُقدِم على الارتباط به!. والآن دعيني أسير في أكثر من توجُّه بخصوص مُشكلتك. أنا أعتقد أنّه ونظراً لتعقُّد المُشكلة كما تعلمين يحتاج الأمر للكثير من التّدخُّل من آخَرين، وإن كُنّا عادةً ننصح في المشاكل الأُسُريّة ألّا يتدخّل الأهل أو أطراف خارجيّة في المُشكلات حتّى لا تزداد الأمور تعقيداً، لكنّني في حالة كهذه لا أجدُ أيّ أمل في الوصول لحلّ أمام هذه المُعطيات الواقعة والحادثة فعلاً في علاقتكُما، وتلك الحال التي قد وصلتُما إليها. أنا أشجّعك مثلاً أن تبحثي عن أكثر الأطراف نُضجاً في عائلته أو في عائلتك، بشرط أن يكون مقبولاً ومحبوباً لديه ولو لحدّ ما، قد يكون جَدّاً أو عمّاً أو خالاً، شاركيه بما يحدث منه تجاهك واطلُبي منه التّدخُّل. كذلك يُمكن دوماً الاستعانة برَجُل دين كاهن أو واعظ ليقوم بهذا الدّور وهو على الأرجح سيكون محلّ ثقة لكُما أنتما الاثنان كطَرَفي المُشكلة. أنا أرى أن ترفُضي تماماً الإهانات والضَّرب والإرهاب الذي مارسه معك واحتملتيه بصبر ومرونة وحكمة، لكن إن كان الأمر قد وصل لأن يكون أسلوب حياة مُعتاد بلا أدنى تغيير، فلستُ معك أن ترتضي حياة كهذه لأجلك ولسلامتك ولسلامة الأولاد. أرى أن تُحاولي في ساعة صفاء أن تنصحيه للذّهاب معاً لمُتخصّص بالمشورة ليساعدكُما، وصمّمي على طلب كهذا لأنّه حقّك وسيكون مُفيداً من دون أدنى شكّ في حالة كهذه. وإنْ رفضَ، وهو أمر مُتوقّع، اسعي أن تُؤكّدي له أنّ الحياة لن تستقيم بينكُما أبداً بدون نصائح من المُشير أو المُتخصِّص، واضغطي بهدوء ولكن بحزم، لعلّه يستجيب فذلك هو باب مهمّ للحلّ. أنا أعلم أنّه لن يكون بالأمر السّهل لكن دعينا نتحرّك في هذا الاتّجاه لأنّنا لا يُمكن أن نقبل أن نُكمل حياتنا هكذا!. افهميني جيّداً، أنا لا أُريد ولا أُحاول أن أستثيرك ضدّه بأيّ حال، لكنّي من النّاحية الأُخرى أريدك أن تُصمّمي أن تعيشي حياة طبيعيّة تتمتّعي فيها بأبسط الحقوق الآدميّة. لا تقبلي حرمانك والأولاد من رؤية أو زيارة أهلك، كما أنّ أهلك أيضاً لا ينبغي عليهم أن يقبلوا أمراً كهذا، بل تمسّكوا بحقوقكم ما دمتم لم تُسيئوا إليه بأيّ وضع، وإن لم يُرد هو أن يأتوا لكِ أو أن يستقبلهم في بيته فتمسّكي بحقّك أن تذهبي أنتِ والأولاد لرؤيتهم من حين لآخَر. أُكرّر، أنا لا أُريد أن أُعقّد الأمور أكثر، لكنّني من النّاحية الأُخري أرى أنّ استسلامك وخنوعك لكلّ طلباته من دون مُناقشة يُمكن أن يجعل المُشكلة بلا حلّ، فإنْ كُنتِ قَبِلت ذلك لفترة لعلّ الأحوال تنصلح ولم يحدث، فأنا لا أرى أنّ تنازُلك عن كلّ الحقوق باستمرار هو الحلّ الأمثل، وأتّفق معكِ أنّك من المُستحيل أن تُكملي حياتك هكذا. يبقى أن أقول أمرَين: أولّهُما أنّه لا بدّ من أن يكون لأهله هُم الآخرون دوراً في الضّغط عليه بأيّ وسيلة، والحمد لله أنّهم متعاطفون معك، فاعملي على استثمار تعاطفهم هذا بطريقة إيجابيّة، واعملي على إقناعهم ليقوموا بدور مُؤثّر في المُشكلة بدلاً من وقوفهم موقف المُتفرّجين، عليهم أن يلعبوا دوراً مُؤثّرا بدلاً من سلبيّتهم. والأمر الثاني ولا بدّ أن أقوله، اقتربي من الله وصلّي كثيراً أمامه بلَجاجة واتّضعي أمامه بتذلُّل وتضرُّعات، فالصّلاة أيضاً لها تأثيراتها وفاعليّتها في تغيير المُحال وعمل المستحيل، ويظلّ الله لنا هو الملجأ الأخير المضمون.