الخلق
عاش اليهود في وسط الجو الوثني في مصر وسمعوا عن آلهة كثيرة، وكان الهدف من سفر التكوين هو التأكيد على أن إلههم هو خالق السماوات والأرض، فلا يعبدوا هذه المخلوقات (الملائكة أو الشمس أو النار…) وهي تعني أن العالم مخلوق وليس أزلي وهذا ثابت علميًا الآن.
ولكننا لكي تكون أسئلتنا منطقية فسوف نستعرض في هذا المقال أشهر نظريتين يفسرون عملية الخلق في سفر التكوين.
الأولى: نظرية الفجوة الزمنية The gap theory
ظهرت هذه النظرية علي يد توماس تشالمرز سنة 1814 م وهي تقول إن الخلق تم على مرحلتين، المرحلة الأولى في تكوين 1:1 وتقول "في البدء خلق الله السماوات والأرض".
وهذه الآية توضح المرحلة الأولى، هذه المرحلة بالاستناد إلى مبدأ أنه عندما يقوم الله بخلق شيء فبكل تأكيد يخلقه بصوره حسنة وكاملة، ولكننا نجد الجزء الثاني من الآية يقول "وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ.
أي أننا نكتشف أن الأرض خربة وخالية ومظلمة، فالتفسير يقول إن الشيطان عندما سقط، قام بتدمير الأرض وما عليها من المخلوقات التي تركت الآثار من الحفريات القديمة.
ثم خلق الله كل شيء من جديد في ستة أيام. فعندما يقول في نفس الإصحاح "وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ"، وكلمة يرف تأتي بمعنى أن يحتوي ويتحرك عليها، ويقول هذا التفسير أن السبب لذلك هو إعادة خلق ما تم تدميره.
الثانية: نظرية الحقب الزمنية Day age theory
النظرية الثانية التي طرحت بواسطة هوج ميلر Hugh Miller عام 1857 وهو الأكثر شهرة وهو أن أيام الخلق الست هي ست حقب زمنية.
يذكر علم الجيولوجيا أن عمر الكون حوالي 13.7 مليار سنة، وعمر الأرض حوالي 4.5 مليار سنة. وبخصوص تاريخ علم الأرض، تم تقسيمه بالرجوع إلى ما فيها من آثار وبقايا حيوانية ونباتية (حفريات) إلى قسمين:
القسم الأول: سُمي بعصر ما قبل الكمبري، والثاني عصر ما بعد الكمبرى. ويتميز الأول بتكوين الأرض ووجود كائنات أولية لم تترك آثاراً أو بقايا. وأما القسم الثاني فقد تم تقسيمه إلى ثلاثة حقب هم: الحياة القديمة Paleozoic، وحقبة الحياة المتوسطة Mesozoic، وحقبه الحياة الحديثة Cenozoic.
ولقد تم تقسيم كل حقبة إلى مجموعة من العصور، يميز كل منها حفريات تدل على الكائنات التي كانت تعيش فيها.. وطبقات التربة المنفصلة بين العصور.. وتغير المناخ الفجائي.. إلخ.
يحكي لنا سفر التكوين في إصحاحاته الثلاثة الأولى قصة شعرية حقيقية ولكن في أسلوب رمزي، كما شرح وأكد لنا أن الله هو الخالق الوحيد، وعلة وجود الكون كله والإنسان، بدون شريك.
أما مَنْ يؤمنون بحرفية (تكوين 1-3) وهم يُسمون Creationists فالكون بالنسبة لهم قد خُلِقَ كله في مدة 144 ساعة فقط (ستة أيام)!!
المشكلة ليست بين الكتاب المقدس والعلم، ولا بين الإيمان والفكر التحليلي المستنير، ولكن المشكلة كما يقول فرانسيس بيكون Francis Bacon، إن الله قد أعطانا كتابين لا يشوبهما أي خطأ، الأول هو "الكتاب المقدس"، وتفسير العقيدة اللاهوتية "Theology".
والثاني هو: "الكون المادي" وتفسير العلم "Science".
وإن كان الكتابان معصومين من الخطأ، إلا أن التفسير وهو عمل بشري، قد يقبل الخطأ.
ولكن كان الكتاب المقدس محدد وقد قال كلمة "يوم" فكيف تقول لي إنها حقب زمنية؟
تابعنا في المقال القادم: رمزية الأيام