، مُتَّكلةً في ذلك على ودائع أفراد أو هيئات تستثمرها لتحقيق هدفها ألا وهو الرّبح المادّي. ففي حال عدم وجود ودائع في المصارف فليس هناك من مشاريع، وبدون مشاريع لا تجارة وبالتّالي لا ربح، وبذلك تَفقِد المؤسّسة هدفها.
وينطبق المبدأ ذاته على العائلة كونها تُعتَبر أصغر مؤسّسة في المجتمع. فإن كان هدف العائلة الوصول إلى حياةٍ كريمةٍ ومستوى عالٍ على كافّة الأصعِدَة، فعلى المؤسِّسَيين (الزّوج والزّوجة) أن يعملا معاً كي يَجنِيا المال الذي به يقدران على توفير حياة كريمة لهما ولأولادهما. ففي حالِ تَقاعَسَ أحد الطّرفين عن المشاركة في تأمين دخلٍ كافٍ لحياةٍ كريمةٍ للعائلة، عندها سيضيع الهدف وتنهار المؤسّسة ويبدأ كلّ شريك بالتّفكير بِفَضّ هذه الشّركة، فتصبح الأمور أسوأ وأسوأ.
ولأنّ كلّ عائلة تطمح للازدهار المادّي الذي يُنتِج حياة كريمة براحة بال شبهِ تامّة، سندرس معاً كلمة ازدهار ونُفَصِّل حروفها لمبادئ أساسيّة تساعدنا كعائلة على إيجاد وضع مادّي نقدي مُستقرّ ضمن شروط وضوابط معيّنة.
إ – ز – د – هـ – ا – ر .
إ – إرادة الله، ز – زوجين، د – دخلك المادّي، هـ - هدر، ا – استراتيجيّة، ر – رؤية.
إ – إرادة الله: تأسّسَت العائلة بناءً على تصميمِ وعملِ الله منذ بداية الخَلق. فآدم خُلِقَ أوّلاً وحده وسلّطَه الله على جميع الخليقة، فبدأ ينظر حوله فرأى أنّ كلّ الحيوانات هي عبارة عن ذكر وأنثى، لكنّه المخلوق الوحيد الذي لم يجد له نظير. فتقدّم من الله بسؤالٍ عمّا يفعله بوحدته بين كلّ هذه الأزواج المتآلِفة بالعَيش معاً كعائلة ونسل. وهنا ألم يكن الله قادراً على خلق آدم وحواء معاً ومباشرةً كما خلق باقي الأزواج من الحيوانات؟ ولجواب هذا السّؤال شِقَّين:
1. أراد الله أن يعرف آدم صعوبة العَيش وحيداً.
2. أراد الله أن يعتاد آدم على الاتِّكال عليه تعالى في كلّ ما يحتاجه في حياته.
تلاقت مشاعر آدم بوحدته واتِّكاله الكامل على الله مع إرادة الله الأزليّة، فخُلِقَت حواء لتتكوّن بذلك أوّل مؤسّسة عائليّة بشريّة أساسها احتياج كلّ طرف للآخر، والاتّكال على الله ومشيئته في الحياة والتّكاثُر لأجل الاستمراريّة.
ز – زوجَين: مؤسّسة الزّواج تحتاج إلى زوجَين. لأجل ذلك يترك كلّ طرف منهما أهله وبيئته وثقافة الوحدة، ليَنصهِر في بيئةٍ وثقافةٍ جديدتَين اسمهما العائلة (فريق عمل). فمنذ اللّحظة التي يتّفق فيها الزّوج والزّوجة على تأسيس عائلة واحدة، تولَد إمكانيّة النّجاح ومعها إمكانيّة الفَشل لهذه المؤسّسة. فإنْ عَمِلا كفريقٍ واحدٍ في كلّ جوانب الحياة النّفسيّة والرّوحيّة والصّحيّة والعاطفيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والعائليّة والماديّة، فسيُكتَب لهذه المؤسّسة النّجاح. لكن إن أراد أيّ شريك أن يَدخُل المؤسّسة ويعمل مُنفَرداً فيها بطريقته الخاصّة وبأسلوبه الخاصّ مُتناسِياً وجود شريك متعاضِد معه في كلّ شيء، فسوف يُكتَب لهذه المؤسّسة أن تنهار يوماً بعد يوم إلى أن ينفصل الشّريكان ويعود كلّ منهما إلى حياته ووحدته غير متّكلٍ على عمل الله في حياته. والنّاحيّة الماديّة موضوع دراستنا إحدى أهمّ عوامل نجاح مؤسّسة العائلة. إذ تُعتَبَر مع الجنس وتربية الأولاد من أهمّ العوامل في نجاح أو فشل العائلة. لذلك على الزّوجَين أن يدرسا النّقطة التّالية بشكل جيّد.
د – الدَّخْل الشّهري: في كثيرٍ من الأحيان لا تعرف الزّوجة كم هو راتب زوجها. وفي حالِ كانت الزّوجة تعمل فراتبها من حقِّها هي فقط، لأنّ الزّوج هو المسؤول عن تسديد كلّ احتياجات العائلة. كلتا الحالتين خطأ، فالدّخل المادّي أو النّاتج الإجمالي للعائلة هو مجموع المردود المادّي للعائلة ككلّ في نهاية الشّهر. فراتب الزّوج + راتب الزّوجة (+ راتب الإبن أو / وراتب الإبنة) = النّاتج الإجمالي للعائلة في الشّهر. وعلى كلّ أفراد العائلة أن يعملوا كشَرِكة تجاريّة مُساهِمة. بمعنى أن يكون على كلّ شخص واجب المُساهَمة كغيره، وله حقّ وضع سياسة الصّرف أو الإنفاق. لذلك على الزّوج والزّوجة أن يدرُسا حجم الدّخل الشّهري بالنّسبة لمصاريفهما الثّابتة، وعليهما أن يقرِّرا سواءَ كان هناك ضرورة لتطوير الدّخل الشّهري كإيجاد عمل جديد، أو أن يدَّخِرا أو يستَثمِرا المال الفائض من الدّخل في أمورٍ تعود بالفائدة على العائلة.
هـ - الهَدر: توضع السّدود عادةً في وجه مياه النّهر للاستفادة منها في الريّ وإنتاج الطّاقة، لأنّ مياه الأنهار تُعتَبر هدراً في حال صَبّت في البحر دون أن يُستفاد منها، فهي موجودة لكنّها تذهب هدراً. كذلك المَدخول المادّي في البيت، هو يدخل لكنه في كثير من الأحيان يُهدَر ولا يُصرَف. فلا سدود في البيت في وجه المَدخول المادّي ولا نظام للصّرف ولا مشاريع إنتاجيّة. لذلك على الزّوج والزّوجة أن يضعا جدولاً مُرتَّباً بالأولويّات، ومن ثمّ الثّانويّات. فمثلاً بَدَل المَسكن (الإيجار) هو أولويّة، أمّا مصروف الإنترنت فهو ثانوي. إنّ تنظيم الدّخل في الأسرة يعطي سلاماً في داخل البيت، فكلّ شيء واضح للزّوج وللزّوجة معاً، لذلك لا مشاكل بسبب النّاحية الماديّة. وهكذا يتركّز اهتمام العائلة على أمور أُخرى مُهمّة، مثل تربية الأولاد.
ا – استراتيجيّة: يتفاجأ الكثير من الأزواج والزّوجات بأنّ الرّاتب أو الدّخل الشّهري انتهى في منتصف الشّهر أو قبل نهاية الشّهر بأيّام قليلة. وعندها يبدأ الطّرفان بالتّفكير بالاستدانة كي ينتهي الشّهر دون جوع أو فقدان للكهرباء. فيبدأ الشّهر الثّاني بفِقدان جزء من الرّاتب وهكذا تصبح الاستدانة في بداية الشّهر وليس في منتصفه أو آخره، شرٌّ لا بُدّ منه. فالتّقصير في دفع المُستحِقّات يتراكم وبذلك يصبح الدَّيْن هو الملاذ الوحيد للعائلة في كلّ ضيقاتها. لذلك يجب أن توضع الاستراتيجيّة قبل بداية كلّ شهر وليس في نهاية الشّهر. فقبل أن تَدخُل النّقود جيبك يجب أن تفكِّر في صرفها بعقلك، كي لا تُهدَر في غير مكانها. فمثلاً ضع جدولاً زمنيّاً تِبعاً لأولويّاتك التي وضَعتَها سابقاً، مُحدِّداً كلّ بَندٍ بقيمة الصّرف. كأن تقول التّالي:
في 1/10/ 2008 دفع إيجار البيت البالغ 200 (عملة نقديّة).
في 3/ 10/ 2008 يستحقّ القِسط الأوّل للمدرسة لابني أو لابنتي والبالغ 100 (عملة نقديّة).
في 5/ 10/ 2008 شراء لوازم البيت (1) من طعام وشراب ومنظّفات ... إلخ بقيمة 200 (عملة نقديّة).
في 15 / 10/ 2008 شراء لوازم البيت (2) من طعام وشراب ومنظّفات ... إلخ بقيمة 200 (عملة نقديّة).
في 20 / 10 2008 تستحقّ فاتورة الكهرباء والهاتف الثّابت التي تتراوح بين 50 – 60 (عملة نقديّة).
في 25/ 10/ 2008 شراء لوازم البيت (3) من طعام وشراب ومنظّفات ... إلخ بقيمة 200 (عملة نقديّة).
في 30/ 10/ 2008 شراء بطاقة الهاتف الخلوي المسبَقة الدّفع والتي قيمتها 50 (عملة نقديّة).
وهكذا.
طبعاً هذا مثال مُبَسّط جدّاً لكيفيّة رسم استراتيجيّة لمصاريف الشّهر القادم، بناءً على تقييم جيّد من قِبَل الزّوجَين للاحتياجات العائليّة بحسب الأولويّات الموضوعة. ويجب على الزّوجَين أن يضعا في حساب كلّ شهر مبلغاً يُقدِّران حجمه، للطّوارئ أو لأمور غير مُدرَجَة على القائمة.
ر – الرّؤية: هي وضع تَصوُّر للحالة أو الوضعِ الذي نريد أن نصل إليه بعد فترة زمنيّة معيّنة. ولتحقيق رؤية ما ينبغي وضع خطّة تضمن الوصول إلى الهدف بطريقة سليمة ومدروسة. وكما وُضِعَت استراتيجيّة محدّدة لصرف الدّخل الشّهري، يجب أن توضع استراتيجيّة طويلة الأمد لتحقيق أهداف أكبر وأشمل من مدخول شهر واحد. فمثلاً في حال كنّا كزوجَين نطمح بأن يدرس إبننا في جامعة خاصّة مشهود لها بمستواها الأكاديمي العالي والمقبول في بلدان كثيرة من العالم، يجب أن نبدأ بوضع خطّة لتحقيق هذا الهدف منذ أوّل يوم في حياته. طبعاً هذا الهدف ينبُع من إيماننا بأنّ العِلم والشّهادة التّخصّصيّة هما سلاح سيُمكِّن إبننا من تحقيق ذاته في المجتمع مما يؤمِّن له عيشاً كريماً لائقاً، الأمر الذي يؤهِّله لبناء عائلة قويّة وسليمة. وأمام مثل هذه الرّؤية يجب أن نبحث كوالدَين صالحَين في الاحتمالات التي تُمكِّننا من تسديد نفقات هذه الجامعة الخاصّة دون أن نشعر بضيق مادّي لا الآن ولا في المستقبل البعيد. فمثلاً هناك الكثير من البرامج التي بإمكان الأهل أن يدّخروا لأولادهم المال فيها منذ ولادتهم، ومع مرور الوقت يتراكم المبلغ الشّهري الصّغير المُدّخَر مع الفوائد المُركّبة عليه ليصبح مبلغاً جيّداً لإبنهم ليدخل إلى الجامعة في القسم أو التّخصّص الذي يختاره هو.
وهكذا بإمكاننا أن نخطِّط لشراء منزل جديد بعد 5 أو 7 أعوام من الآن. أو شراء سيّارة بعد دراسة لدخلنا الشّهري لمدة 5 سنوات في حال دَخَلنا في برنامج شراء سيّارة بالتّقسيط لهذه المدّة. وهكذا.
في النّهاية علينا ألّا ننسى المبدَأين الهامّين اللذَين وضعهما الله لآدم وحواء، وهما ألّا يتصرّف كلّ طرف وكأنّه لوحده في مؤسّسة العائلة، ثمّ أن يتّكِلا على الله في كلّ شيء ويرفعا إليه كلّ احتياجاتهما العائليّة، الرّوحيّة أوّلاً ومن ثمّ الزّمنيّة الماديّة. والله صاحب الوعد العظيم القائل في {ref إنجيل متّى 6: 26 |26اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟} قادر على تسديد كلّ احتياجاتنا. لنتّكِل على أبينا السّماوي الذي له الأرض وكلّ ما عليها، المسكونة والسّاكنين فيها. ولنترجّى حكمةً منه في كيفيّة التّصرّف بما يعطينا إيّاه الرّبّ من مال كلّ شهر.
نصيحة أخيرة: في حال كنتَ تريد أن تزدهر ماديّاً يجب أن تعطي ممّا أعطاك الله كي يباركك. إصرِف 10 % من دخلك في بناء ملكوت الله ونشر كلمته المقدّسة كي يبارك الرّبّ بـ 90 % التي تصرفها لاحتياجات عائلتك.