حكتْ لي صديقتي قصّة جاءتها عبر الإنترنت، قصّة حقيقيّة حدثت بالفعل. يومها كنت حزينة ومتعبة فأسرتي كلّها مريضة ومصابة بحُمّى شديدة.
ومع أنّها فترة الأعياد، إلّا أنّنا لم نتمكّن من قضاء يوم جميل، كانت الضّغوط أكبر منّي وكنت محتاجة لكلمات تشجيع.
تقول القصّة:
إنَّ زوجَين كانت قد ربطت بينهما علاقة حُبّ وصداقة عميقة، فكلّ منهما لا يجد سعادته وراحته إلّا بقُرب الآخَر، إلّا أنّهما مع ذلك كانا مختلفَين تماماً في الطِّباع والمزاج. فالرَّجل هادئ الطّبع جدّاً، لا يُثار ولا يغضب حتّى في أصعب الظّروف، وعلى العكس منه كانت زوجته، فهي حادّة الطّباع تثور وتغضب وتضطرب لأقلّ الأمور.
ذات يومٍ قضت الظّروف أن يسافر كليهما معاً في رحلة بحريّة، كانت في بدايتها جميلة وهادئة ومريحة، إلّا أنَّه بعد أن أمضت السّفينة عدّة أيّام في البحر، ثارت عاصفة رهيبة كادت أن تودي بالسّفينة وبالرّكاب معاً، فالرّياح مضادّة والأمواج هائجة. امتلأت السّفينة بالمياه وانتشر الذّعر والخوف بين كلّ الرّكاب حتّى قائد السّفينة نفسه لم يُخفِ على الرّكاب كَونهم في خطر حقيقي، وأنّ فرصة النّجاة من الموت تحتاج إلى معجزة من الله. لم تستطع الزّوجة تمالك أعصابها حين سمعت كلمات قائد السّفينة، فشعرت بخطر حقيقي وأخذت تصرخ في ذُعر، ولأنّها لم تكن تعلم ما الذي يمكنها فعله وسط ثورتها، ذهبت مسرعة الخطوات إلى زوجها لعلّها تجد لديه فكرة أو حلاًّ للنّجاة من هذا الموت المُحقَّق.
كان جميع الرّكاب في حالة هياج شديد، ما عدا زوجها الذي فوجئت به كعادته جالساً هادئاً وكأنّ شيئاً لم يحدث، الأمر الذي زاد من غضبها وسخطها، فأخذت تصرخ فيه مُتّهمة إيّاه بالبرود واللّامبالاة. نظر زوجها إليها نظرة ثاقبة، وبوجه عابس وعينَين غاضبتَين استلّ خنجره المسنون ذو الحدّين وأسرع ليدفعه نحو صدرها، وحينما أصبح سلاح الخنجر ملامساً لجسدها قال لها بكلّ جديّة وبصوت حادّ: أ لا تخافين من هذا الخنجر؟
نظرت إليه وقد ارتسمت الابتسامة على وجهها وقالت: بالتّأكيد لا.
قال لها: لماذا؟
أجابت: لأنَّ هذا الخنجر ممسوك في يد حبيبي.
ابتسم وتابع: وهكذا أيضاً، ذلك البحر وتلك الأمواج الهائجة ممسوكة بيد حبيبي، فلمَ الخوف إن كان هو المسيطر على كلّ الأُمور؟ الله مُسيطِر على كلّ الأمور.
أنهتْ صديقتي روايتها وهي تقول: "أنا أعلم بأنَّك متعبة من أمواج الحياة ورياحها المضادّة، وأُدرك بأنّك تشعرين بأنّه قد تحطّم كلّ ما هو جميل في حياتك، لكن لا تخافي فالله يحبّك وهو الماسِك بزمام الأمور، هو من لديه القدرة والسّلطان على كلّ رياح عاصفة".
فسألتها: ولكن ما دام الله يحبّني فلمَ يسمح بالألم؟ لمَ يسمح للرّياح بأن تعصف بحياتي وتدمّر أجمل ما فيها؟
أجابتني: ومن قال بأنّه يفعل؟ هل تعلمين بأنّه يعرفك أكثر ممّا تعرفين أنتِ نفسك؟ إنّه يعلم بأنّك لن تنكسري بل ستزدادين قوّة، هو يثق بك وبقدرتك ويكشف مستقبلك الذي لا فكرة لك عنه ويرتّب لك الأفضل.
ثم وجّهتْ إليّ السّؤال التّالي: وأنتِ هل تحبّين الله؟ وإلى أيّ مدى تفعلين ذلك؟
إن كنتِ تحبّينه فثِقي به. تقول كلمته في الكتاب المقدّس في رسالة الرّسول بولس إلى أهل رومية 8: 28
.
كلّ الأشياء تعمل معاً للخير، في كلّ الظّروف وعبر كلّ الأحداث وخلال شتّى المواقف.
كلّ المواقف، كلّ المشاكل، كلّ الصّعوبات تجتمع معاً وتمتزج بشكل عجيب، لتُنتِج شيئاً جديداً.
لتُنتِج أموراً لن تتوقّعيها على الإطلاق، لماذا؟
لأنَّها خطّة الله الرّائعة لحياتكِ. افرحي بالرّب، اشكريه واخضعي لِيَده القويّة المُمسِكة بزِمام الأمور لتُعدّ لكِ ولعائلتك مستقبلاً أفضل.
ابتسمتُ، ذهب حزني، استعدتُ فرحي بالرّب وأخذتْ قوّتي تزداد، ففرح الرّب هو قوّتنا. حضنتُ صديقتي مطوّلاً ثمّ نظرت إلى السّماء بعينَين ممتنّتَين وشاكرتَين لهذا الإله الأب القدير.
موضوعات مشابهة: