من قال بأنَّ التّاريخ من صُنع الرِّجال فقط؟
بالطّبع لا أحد، لأنّ التّاريخ من صُنع البشر رجالاً كانوا أم نساءً، فالإنسانيّة جمعاء تتلخّص في رَجُل وامرأة، إذاً التّاريخ هو يوميّات إنسان. في هذا المقال أحببت لَفت النّظر إلى نساء أبدعنَ وأَجَدنَ وأَضَفنَ إلى التّاريخ المزيد والكثير، نساء شاركنَ في صنع التّاريخ سواء كُنّ على مسرح الأحداث أم خلف الكواليس.
أ لستَ معي عزيزي في أنَّ أيّ أحد من العظماء أشاعراً كان أم كاتباً أو رَجُل سياسة، لم يكن ليصل إلى ما هو عليه دون وجود المرأة في حياته.
ماذا عن الشّاعر "عنترة بن شدّاد"؟ هل يمكننا ذِكره أو قراءة قصائد غَزَله دون ذكر "عبلة" حبيبته أو "زبيدة" أُمّه؟
هل تعرف قارئي العزيز بأنّ الرّئيس الأمريكي "أبراهام لنكولن" الذي صاغ قانون تحرير العبيد وإلغاء الرّق والعبوديّة، عُومل من قِبَل زوجة أبيه "سارة" بكلّ عدل ومساواة، فتأثّر بمحبّتها. هذه السّيّدة ربّت لديه الإحساس بالعدالة والإنصاف ليكون رئيس أمريكا الذي وقّع قانون إلغاء الرِّق والتّمييز العُنصري.
أمير الشّعراء "أحمد شوقي" يقول: الأُمّ مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعباً طيِّب الأعراق.
وهذا غَيضٌ من فَيض. فكلّ الرِّجال وَلَدتهم امرأة، أرضعتهم وسهرت عليهم وعلّمتهم ليكونوا قادة وفنّانين وسياسيّين وعلماء وعظماء، هذا ناهيك عن دور الزّوجة والحبيبة والأخت والصّديقة والزّميلة، في تشكيل شخصيّة الرّجُل على مرِّ العصور والأزمنة. ألا يقول المثل: "وراء كلّ عظيم امرأة".
لكن عند الحديث عن نساء لمعتْ أسماءهنّ في تاريخ البشر لا يفوتنا ذكر "حوّاء"، التي كثيراً ما تَرافقَ ذكرنا لاسمها بالخطيئة والعصيان والشرّ متّهمين إيّاها بأنَّها من أَوقَع آدم في فخّ الشّرّ، غافلين عن أنَّ اسمها الذي أطلقه عليها "آدم" أي "حوّاء"، يعني "أُمّ كلّ حيّ". هذا ما نراه في الكتاب المقدّس في سِفر التكوين 3: 20
. وكلّ هذا جاء بعد سقوط "آدم وحوّاء" في العصيان، أي أنَّه قدّرها وأدرك دورها حتّى بعد سقوطهما في شَرَك الحيّة. وليس هذا فقط بل منحها الفرصة لتسمية أبنائها، كما هو مكتوب في سِفر التكوين 4: 1
. فحوّاء سمَّتْ "قايين"، وقولها إنّها اقتنت رَجُلاً من عند الله قصدت به، أنّه صار لها ذلك النَّسل الذي وُعِدت به من قِبَل الله. ونذكر أيضاً في الكتاب المقدّس امرأة اسمها "دبّورة"، كانت قاضية ونبيّة وزوجة وأُمّ وشاعرة وقائدة عسكريّة، فهل يمكن أن تجتمع كلّ تلك المواهب في شخص امرأة؟
نعم يمكن ذلك، هذا ما نراه في الكتاب المقدّس في سفر القُضاة الأصحاحين الرّابع والخامس. كانت تلك المرأة أشجع من الرِّجال، حيث لم يُرِد القائد "باراق" التّحرُّك بدونها. نساء كثيرات وكثيرات يذكرهنّ الكتاب المقدّس ساهمنَ في صنع مملكة الله، كَ "مريم" أخت موسى وهارون، فالكتاب المقدّس في سفر الخروج يحكي لنا عن حكمتها في حماية أخيها الصّغير موسى وذلك في الإصحاح الثّاني منه. والفتاة المؤابيّة "راعوث" التي تركت أهلها وعشيرتها العابدين للأصنام وتبعت حماتها في إيمانها بالله قائلة لها: "... شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي". ثمّ فيما بعد صارت جَدّة الملك "داود". وأَفردَ الوحي الإلهي سفراً كاملاً باسمها يحكي قصّتها يدعى "سفر راعوث".
نساء معاصرات
لننتقل إلى زمننا هذا لنرى ما صنعته المرأة وأبدعت فيه وعلى عدّة أصعدة. على سبيل المثال "ماري كوري" السّيّدة العظيمة التي أجادت وبرزت في مجال الفيزياء والكيمياء، ونالت جائزتَي نوبل في العلوم. هذه المرأة بولنديّة المولد وُلدت في السّابع من نوفمبر عام 1867 وماتت عام 1934. هي وزوجها الفرنسي "بيير كوري" اكتشفا في باريس عُنصرَي البولونيوم والرّاديوم.
كذلك ابنتها "آيرين" التي اتّبعت آثار خطوات أمّها واكتشفت مع زوجها "فردريك جوليو"، عناصر الإشعاع الصّناعي وحازت على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1935 أي بعد سنة واحدة من وفاة والدتها.
أمّا في مجال السّياسة فلا يفوتنا الحديث عن ملكة بريطانيا العظمى وآيرلندا التي عاشت ما بين عامي (1837 - 1901 م) في لندن، وكانت حفيدة الملك "جورج الثّالث". هذه السّيّدة من الملوك العظام تركت بصماتها على التّاريخ حين اعتلت العرش كملكة، بعد وفاة عمّها "وليام الرّابع" حيث حاولت دائماً أخذ موقف محايد إزاء الأحزاب السّياسيّة التي في بلدها، الأمر الذي سبّب استمرارها أربعة وستّين عاماً مُعتلية عرش المملكة. هذه المرأة العملاقة استطاعت أن تعيش كملكة وزوجة وأُمّ لتسعة أبناء، وأن تستمرّ في الحكم أطول فترة زمنيّة يقضيها ملك على العرش في بريطانية. وما تجدر الإشارة إليه هو أنّها تربّعت على العرش وهي في سنّ الثّامنة عشرة أي وهي مراهقة، لكنّها بيقظتها وتربيتها ومشورتها استطاعت الإمساك بزمام الأمور ومقاليد السّلطة دون أن يؤثّر هذا على حياتها الشّخصيّة.
كذلك رئيسة وزراء الهند "أنديرا غاندي" والمرأة الفولاذيّة "مارجريت تاتشر" رئيسة وزراء بريطانية و"الأمّ تريزا" الحائزة على جائزة نوبل للسّلام. وفي أيّامنا الحاليّة الدّكتورة "مرثا روي"، الأميركيّة الأصل التي حصلت على درجَتَين في الدّكتوراه واحدة في الموسيقى وأخرى في العبادة، ونالت جائزة من القادة السيّاسيّين لمساهمتها في تقدّم الموسيقى المصريّة، وكذلك جائزة من البابا شنودة لتدوينها النّوت الموسيقيّة للألحان القبطيّة، وهي بذلك خلّدت الألحان القبطيّة الكنسيّة، كذلك أشرفت على العديد من رسائل الدّكتوراه والماجستير في الموسيقى، وهي لا تزال إلى اليوم تقيم في دار المسنّين.
ماذا عنّا؟
هل نتعلّم من هؤلاء النّساء اللّواتي بذلنَ حياتهنّ ليشاركنَ في صنع تاريخ البشريّة؟ بعدم الاستسلام والصّبر والمثابرة والمحبّة والتّضحية.
هل نتعلّم ممّن بذلنَ الغالي والثّمين من وقت وجهد لإضافة الأفضل إلى حياتهنّ وحياة الآخرين؟.
إذا كان لديك اى سؤال او استفسار نحن بمساعدتك فقد تواصلي معنا (من هنا)
موضوعات مشابهة: