إنّه لأمر رائع أن يجد المرء شخصاً يشاركه هذه الحياة بحُلوها ومُرِّها،
شريكاً يضحك معه ويسمع له ويتشاركان في الأتعاب والنّجاحات، يعبِّران عن أفراحهما وطموحاتهما وأحلامهما. ولجديّة هذا الموضوع فقد كتب الكثير من المُربِّين عن كيفيّة اختيار شريك الحياة المناسب، ولعلّ من أهم الوسائل لذلك: "الوضوح مع النَّفْس وبالتّالي الصّراحة التّامّة مع الآخر والمكاشَفة المتبادَلة بلا تزييف للحقائق، والاستعداد الدّائم للتّنازل عن الرّغبات الضّيّقة لأجل الوصول للتّفاهم والانسجام". هذا ما يقوله الأنبا موسى. ولهذا فإنّ آخر ما يريده أيّ إنسان أن يكون شريك حياته أنانيّاً. لكن ماذا يفعل هذا الإنسان أو ماذا يكون ردّ فِعله إذا كان هذا هو واقع الحال؟ نعم فالأنانيّة على الرّغم من كونها صفة بغيضة إلّا أنّها أضحت صفة مُسيطِرة، فما تعريفها؟
تعريف الأنانيّة:
الأنانيّة هي الفرديّة الشّرسة وحُبّ التّملُّك، والغيرة الجنونيّة التي تدفع الإنسان إلى إرادة السّيطرة على الغير بدون وجه حقّ. ولذلك يندرج منها أشياء كثيرة مثل حُبّ الاتّكال والاعتماد على الغير، وإراحة النَّفْس والصّعود على أكتاف الآخرين بضمير ٍ ميّت وبدون مُبالاة. والأنانيّة أيضاً هي رغبة ٌ ذاتيّة للاستحواذ على حاجات الغير وتريده فقط لنفسها وتحرّمه على غيرها. "غالباً ما تُعزى الأنانيّة في الواقع إلى صراع مع الذّات يصل الأمر بالشّخص الأناني إلى خلق ذات أُخرى، لأنّ حُبّ الشّخص لنفسه وقبوله لذاته ينمو في جو متحرّر من الذّات". هذا ملخّص ما قاله البابا بنديكتس السّادس عشر في تعريفه للأنانيّة. إذاً الأنانيّة والحُبّ الصّادق على طرفَي نقيض، واللغة اليونانيّة تعيننا لفهم معنى المحبّة إذ توجد ثلاث كلمات للتّعبير عن المحبّة وهي:
1- إيروس: الحُبّ في العلاقة الجنسيّة المملوء بالشّهوات والغرائز.
2- فيليا: وهذا حُبّ الصّداقة والمودّة وهو جوهر أيّة علاقة.
3- الأغابّي: هو الحُبّ الأرقى وهو حُبّ النّاضجين، أيّ محبّةْ مَن لا يستحق الحُبّ، وهي مثل محبّة الله لنا. وهذا ما يحتاجه الشّريكان لإكمال مشوار الحياة حيث من صفات المحبّة كما هي مذكورة الكتاب المقدّس رسالة كورنثوس الأولى 13: 4 - 7 .
. ماذا أفعل عندما أكتشف أنّ شريك حياتي أناني؟
جميل أن أقول ماذا أفعل وليس ماذا يكون ردّ فعلي؟ أعتقد أنّ الشّعور بالغضب أو الغيظ سيكون أقلّ ما يمكن أن يكون كردّ فعل ، لكن اتّباع بعض النّصائح العمليّة للتّعامل مع شريك حياة أناني ستكون أفضل تجاوب فعلي مع هذه المشكلة:
1- الهدوء والتّروّي (في التّأنّي السّلامة) والتّأمّل في حياة شريك الحياة، أعني الغوص في أعماقه لأنّه ربّما يكون ضحيّة لمفاهيم أو تربية خاطئة. فمثلاً: هل زاد أبواه في دلاله أكثر من اللازم؟ هل لم يتحمّل مسؤوليّة؟ هل عانى من الحرمان؟ هل عانى من أوقات استغلّ فيها الآخرون تضحيته؟. إنّ التّفكير بعمق في هذه المعطيات والمعلومات يقود لفهم أسباب تمحور شريك الحياة حول ذاته.
2- كلام الحُبّ والتّقدير والتّشجيع ومحاولة رسم صورة غير أنانيّة للشّريك، وتشجيعه على رؤية هذه الصّورة، أيّ في حال قدّمَ الشّريك يد العون لأيّ أحد على الشّريك الآخر إظهار هذه الصّورة وتشجيعه عليها.
3- التّحاور في كيفيّة الفهم الصّحيح لمحبّة النّفْس. مثلما كان موقف إحدى السّيّدات عندما ضحّت بعملها النّاجح لكي تقف بجوار زوجها المريض، وعندما قال لها أصدقاؤها إنّك تتصرّفين بغير أنانيّة. أجابت بأنّها في منتهى محبّتها لنفسها، لأنّ محبّتها لزوجها أكبر من محبّتها لعملها وبالتّالي هي تقوم بما تراه صحيحاً وتشعر أنّها ترغب في فعله. ليتنا نحبّ ذواتنا بطريقة صحيحة.
4- الصّلاة لله، لأنّ الله محبّة ومن يعرف الله لا يستطيع أن يكون أنانياً. فالصّلاة ليست أمراً نظريّاً بل عمليّاً للغاية، لأنّها تغيّر الشّخص ليكون شخصاً غير متمركز على ذاته ويعطي ويضحّي فيتعلّم الشّريك الآخر ويتأثّر ويتغيّر.
5- الابتعاد كلّ البعد عن الكلام الجارح الهدّام، والتّعويض عنه بالكلام البنّاء المشجِّع. وعند اشتداد الأنانيّة لتصل لمستوى المرض يكون من الحكمة استشارة طبيب أو متخصّص مشورة.
6-العيش بموجب قانون المحبّة فالله محبّة والخير محبّة والكون محبّة.
7- إعادة تقييم الذّات، والبحث عن جذور الأنانيّة، فللأنانيّة أصداء فينا أجمعين. هذه دعوة لنفحص أنفسنا ولنتأكّد ممّا نتصرّف ولا نجعل شريك حياتنا يردّ فعلنا الأناني بردّ فعل أناني، لأنّ الأفعال تُقابَل بردود الأفعال، لذا لنبدأ بالفعل الإيجابي المُحبّ والحكمة والصّلاة، ومع الزّمن لا بدّ أن نلقى النّتيجة بنعمة الله. وليتنا ننضج لنطلب ليس ما هو لنا بل ما هو للآخر الذي هو شريك الحياة. فالنّضوج ثمّ العطاء، لأنّ دليل النّضوج هو القدرة على العطاء.