تمرُّ حياة الإنسان بمراحل عدّة، وتجتاز في الكثير من الأحيان أوقاتاً وظروفاً وأحوالاً مُتنوّعة بين الطيّب والخبيث، بين الحلو والمُرّ، بين عُلوّ وهبوط. وهذه هي الحياة!.
وكَم من المرّات اصطدم الإنسان بما هو أقوى منه، فصار يصرخ ويطلب طلباً واحداً يُعبّر عنه بصرخة مُدوّية: "أنا أحتاج مُعجزة!!".
فما هي المُعجزة وما خلفيّتها؟ من الذي يعملها وكيف السّبيل إليها؟ وهل عصر المُعجزات انتهى؟!.
• ما هي المُعجزة؟
تُعرَّف المُعجزة بأنّها عمل خارق للطّبيعة، ضد نظام الكَون أو القوانين الطَبيعيّة التي تحكمه. بل للدّقّة، فإنّني أستحسن أن أقول إنّ المُعجزة لا تكون (ضدّ) بل (فوق) القوانين الطّبيعيّة التي تحكم الكَون أو الزّمن أو العلاقات.
• المعجزة، من الذي يعملها؟
لا يختلف اثنان حول إجابة مثل هذا السّؤال، فالله هو الوحيد القادر على عمل المُعجزات، سواء بنَفْسه، أو بقوّة منه يُعطيها لأحد قدّيسيه أو أنبيائه، الأمر الذي سيأتي الحديث لاحقاً عنه.
ونحن نقرأ في التّوراة أنّ الله حينما أراد أن يُخرِج شعبه من أرض مصر، أجرى عجائب ومُعجزات كثيرة ليُري عظمته وقوّته لفرعون، الذي كان قلبه قد تقسّى ورفضَ إخراج الشّعب. وكان نبيّ الله مُوسى يعمل مُعجزات عديدة أمام فرعون، وكان فرعون مصر يأمر في المُقابل عرّافيه وسَحَرته أن يعملوا أشياء مثلها، بقوّة سحرهم. لكنّ الله ـ ذات مرّة ـ جعل مُوسى يضرب تُراب الأرض بعصاه ليصير بعوضاً في كلّ أرض مصر، الأمر الذي لمّا حاول عرّافو مصر أن يتغلّبوا عليه لم يستطيعوا!. يقول الوحي المُقدّس في خروج 8: 19
وفي العهد الجديد من كلمة الله المُقدّسة، نجد أيضاً أنّ بُطرس ويوحنّا قد أقاما (شَفَيا) مُقعَداً (مشلولاً) كان جالساً يستعطي عند باب الهيكل. حينئذ صرّح بُطرس للجَمع الواقف الذي ذُهِل عند رؤيته للمُعجزة أعمال الرسل 3: 12 - 13، 16
• هل كلّ الخَوارق التي تحدث من حولنا هي فعلاً عمل الله؟
هذا سؤال نحتاج أن نُفكّر فيه مليّاً وكثيراً، حيث يختلف الدّارسون حوله. لكنّني ببساطة أقول، إنّ أموراً كثيرة قد تبدو مُعجِزيّة وخارقة للطّبيعة تحدث من حولنا، وذلك بفِعل قِوى روحيّة شيطانيّة أو مُضادّة لعمل الله، كالسِّحر والأعمال السُّفليّة التي يعترف بها البعض ويُنكرها البعض الآخَر، باعتبارها أكاذيب ليس لها أيّ أساس من الصّحّة. ولا يُمكننا أن نُنكر أيضاً أنّ أموراً كثيرة من الكذب والخداع والتّدليس، تُمارَس بإتقان فتخدع المُستقبِل لها فيراها وكأنّها أعمال مُعجزيّة!. وممّا هو جدير بالذِّكر أنّ الفيصل هُنا بين الخطأ والصّواب يكون مُرتبطاً بعلاقة الإنسان بالله من ناحية (سلبيّة كانت أم إيجابيّة)، وبهذا العمل الذي حدث نَفْسه (ويُفترَض أنّه خارق أو مُعجزيّ) من ناحية أُخرى مع ما يحمل معه خيراً أم شرّاً. والتّنبُّه إلى أنّ أعمال الله تجاهنا كلّها خير وحُبّ وصلاح.
• ما الغرض من وراء إتمام المُعجزة؟
كان الغرض دوماً من إتمام المُعجزات ينحصر في شقَّين اثنَين لا ثالث لهُما. الشّقُّ الأوّل يتعلّق بإثبات نبوّة النّبي أو الرّسول الذي يعمل المُعجزة. وتكون المُعجزات بمثابة إثبات أو طريقة واضحة وملموسة تَحمل النّاس على تصديق صحّة النّبوّة وصدق أنّ قائلها أتى حقّاً من عند الله، ومن ثمّ يطيعه النّاس بعد أن يروا الأعمال العظيمة والخارقة التي يعملها!. والغرض الثّاني يتمثّل بلا شكّ في الرّغبة في مُساعدة الشّخص الذي أُجرِيَت المُعجزة معه، لصالحه أو لأحد ذَويه، محبّةً من الله لهُم واستجابةً لدُعائهم له ليُخرجهم من ضيقهم أثناء اجتيازهم لظرفٍ صعب ألَمَّ بهِم.
• أنواع مُعجزات مُتنوّعة في الكتاب المُقدّس،
يمتلىء الكتاب المُقدّس ـ بعهدَيه القديم والجديد ـ بكَمٍّ هائل ومُتنوّع من المُعجزات التي حدثت فيه. هذه المُعجزات من الصّعب حصرها إذ أنّ الرّسول يوحنّا في العهد الجديد مثلاً، يُحدّثنا عن مُعجزات عملها المسيح بنَفْسه (أي هو فقط بصفته الله نَفْسه، دوناً عن بقيّة الأنبياء والمُرسَلين عبر التّاريخ)، ثمّ يختم إنجيله بالقَول إجمالاً يوحنّا 21: 25
ولإعطاء عيِّنة قليلة جدّاً ممّا لا يُمكن حصره أقول، إنّ الكتاب المُقدّس يُحدّثنا في العهد القديم عن مُعجزات مثل صعود رَجُل حيّ للسّماء دون موت (هو أخنوخ ـ تكوين 5: 24
) وشفاء مرضى (نُعمان ـ 2 ملوك 5
)، وإقامة أموات (ابن المرأة الشّونميّة ـ 2 ملوك 4
). وصعود رجل حيّ للسّماء في مركبة من نار (إيليّا النّبي ـ 2 ملوك 2: 11
) ... إلخ، كما يُحدّثنا العهد الجديد عن الكثير من مُعجزات الشّفاء للمرضى والعُميان، والتّطهير للبُرص وإعادة الحياة لأموات وإخراج الشّياطين و... إلخ.
• هل عصر المُعجزات انتهى؟
حسناً، إنّ الأمر يتوقّف على فهمنا للمقصود بالمُعجزة. لكنّنا إجمالاً لا يُمكن أبداً أن نتبنّى فكرة كهذه ـ بطريقة مُطلَقة ـ مادُمنا قد قُلنا إنّ الأمر مُرتبط أساساً بالله الحي الذي ليس لمُلكه نهاية. فمن ذا الذي يستطيع أن يمنع أمراً أراد الله أن يعمله، وإن كُنّا لا بُدّ أن نُقِرّ أنّ أحد الأسباب الرّئيسيّة لحدوث المُعجزات التي تحدّثنا عنها قد انتفى أو توقّف بانتهاء عصر الرُّسُل والأنبياء، إلّا أنّنا لا يُمكننا أن نُنكر أنّ الله مازال حيّاً ويعمل مُعجزاته في حياة بَشَرٍ كثيرين في كلّ يوم!.
• ما هي أعظم المُعجزات على الإطلاق؟
كانت ولا تزال معجزة خَلق شيء جديد ورائع من لا شيء (أو من شيء فاسد أو خَرِب)، تُعَدُّ هي أعظم المُعجزات التي يُمكن أن تحدث قاطبة. فالله حين يُوجِد شيء من العَدَم فإنّه يعمله حسناً. لقد خلقَ الله الكَون من العدَم فأبدع خلقه، ثمّ خلق الإنسان أخيراً ليكون تاج خلائقه وسيّدها، فأحسن صُنعه على صورته وكشبهه. لكنّ الإنسان فسَد وسقط في الخطيّة وصار مُجرماً في حقّ الله. لذلك وعلى مرِّ العصور فإنّ تجديد حياة الإنسان وتمتُّعه بطبيعة جديدة تأتي من عند الله، هو أعظم ما يُمكن حدوثه في حياته كإنسان. لقد لوّثتْ طبيعة الخطيّة كلّ البشر، إذ لمّا أخطأ آدم، وَرِث كلّ البشر طبيعة الخطيّة من بعده. يقول الرّسول بولس في رومية 5: 12، 17
.
• أُناس كثيرون تمّت المُعجزة الكُبرى في حياتهم،
يحدّثنا الوحي المُقدّس عن أُناس كثيرين تغيّرت حياتهم بلقاء خاصّ ولمَسة مُعجزيّة لمسهم الله بها، فتغيّرت حياتهم واختلفوا اختلافاً جذريّاً، وهذا الفارق الكبير جدّاً في حياتهم لَمَسه الكثيرين ممّن حولَهم!. ويعوزني الوقت لأحكي عن الكثيرين (ممّن تمتلىء بهِم أسفار الكلمة المُقدّسة) الذين تغيّرت حياتهم جذريّاً بلقائهم مع الله. فزكّا الذي كان لصّاً قال يسوع إنّ خلاصاً قد حدث له، فترك محبّة المال وأعطى أموالاً كثيرة لمن كان قد وشى بهم، والسّامريّة الخاطئة حدثت مُعجزة الحياة الجديدة معها بتعرُّفها على الرّبّ وصارت تُبشّر عنه حتّى تغيّرت حياة الكثيرين في بلدتها، من تأثير شهادتها لهم عنه. شاول الطّرسوسي الذي كان يقتل المسيحيّين ويُعذّبهم، صار بولس رسول المسيحيّة العظيم، بل وعن لصّ كان شديد الإجرام مُعلَّقاً على صليب (أصعب عقاب يُمكن أن يحدث لإنسان) بجوار يسوع، لكنّه قَبِل التّوبة وتغيّرت حياته في لحظاتها الأخيرة وذهب للفردوس.
إنّ مُعجزةْ تقابُل الله مع الإنسان وتغيير حياته كُلّيّاً، إنّما هي حدث ما أروعه لا يُضاهيه حدث آخَر في جماله وعظمته.
• كيف تتمّ المُعجزة في حياتك؟
وأنت ـ عزيزي القارىء ـ يُمكنك أيضاً أن تَجِد الله فتَجِد الحياة الجديدة، إذ يُجري مُعجزة في حياتك لا تَقِلُّ روعة عمّا ذكرناه سابقاً!.
ربّما تكون مُستَعبَداً لعَادةٍ أو إدمانٍ أو شهوةٍ رديّةٍ، أو حتّى لا تَجِد معنىً لحياتك ولأيّامك. يقول الكتاب المُقدّس في 2 كورنثوس 5: 17
.
ليس عليك صديقي إلّا أن ترجع إلى الله بقلب نادم وتائب عن كلّ خطيّة اقترفتَها، وأن تفتح باب قلبك لله وتُسلّم له إرادتك، وتترك أمامه كلّ ضعف لديك وتثِق أنّه قادر أن يُجري معك مُعجزة إعادة الخَلْق. خَلْقَك بطبيعة جديدة ورائعة تقدر من خلالها أن تعرفه وأن تتواصل معه، فتجد معنى الحياة والسّعادة والسّلام، فهل تُراك تفعل؟.
إذا كان لديك أي استفسار أو كنت تريد المساعدة أشجّعك على التّواصل معنا الآن (من هنا)
أدعوك عزيزي أيضاً لسماع: