في ضوء البرامج الواقعيّة والأُخرى النَّفْسيّة التي تُعنى بدراسة الإنسان "دراسة نفسيّة واجتماعيّة"، والتي تُطالعنا بها كلّ يوم الشّاشات الفضيّة عبر أثير المحطّات الفضائيّة، صارت عبارة
"الشّعور بالنّقص" أو "الإحساس بالرّفض" من العبارات الاعتياديّة التي أخذنا نبحث في موضوعها ومفرداتها، محاولين فهمها وإدراكها. وقد ساهم التّطوّر الفكري والثّقافي الخاص بعلم النَّفْس في تشجيعنا على إخراج ما في جوفنا من أمور كنّا نتردّد في إظهارها بسبب الخجل والشّعور بالعار.
في هذا المقال، سنرى بعضاً من الإشارات "تشبه إشارات المرور" التي تضع قَدَم كلّ واحد منّا على الطّريق الصّحيح نحو الشّفاء.
اقرأ العبارات التّالية، وضع علامة أمام ما ينطبق عليك منها:
- غالباً ما أشعر بالضّعف وعدم الكفاءة عند قيامي بمهامي اليوميّة.
- عندما أبدأ في عمل ما، تملؤني أفكار الشّكّ بأنّي لن أتمكّن من القيام به لدرجة تمنعني من بذل مجهود كافٍ لإتمامه.
- تنتابني كثيراً أفكار قلق بشأن نظرة النّاس لي.
- عندما يمتدحني النّاس، أشكّ بأنَّهم سيستمرّون في مدحي بعد أن يعرفوني على حقيقتي.
- أحسُد أولئك الذين تبدو عليهم الكفاءة والثّقة بالنَّفْس وأتمنى أن أكون مثلهم في يوم من الأيّام.
- من الأسهل لي الابتعاد عن الاحتكاكات الاجتماعيّة، كي لا أُصاب بالإحباط.
- أكثر من مرّة توقَّعتُ النّجاح، لكنّي فشلت.
- يبدو لي كما لو كان هناك شيء في حياتي يدفعني للفشل أو لتدمير نفسي لعدم بلوغي النّجاح.
- أشكّ دائماً بأنَّ عندي شيء يستحقّ أن أقدّمه للآخرين.
- عندما أتعامل مع النّاس، أحاول أن أُقدِّم أفضل ما عندي بصورة مُبالَغ فيها لأنّي غير مقتنع بأنَّ لديّ شيئاً أُقدِّمه.
لو كانت معظم إجاباتك عن هذه الأسئلة هي نعم، فأنت تعاني من الشّعور بالنَّقص. ويُطلَق على هذه الحالة في بعض المجتمعات العِلاجيّة اسم "الدُّونيّة" أو "الإحساس بالفشل".
أسباب الشّعور بالنَّقص:
الذين يعانون من الشّعور بالنَّقص، هم أشخاص يفقدون بسهولة إيمانهم بأنفسهم، كثيراً ما تسمعهم يقولون "لا أستطيع"، "لا أعرف"، "أنا غير متأكّد"، "هذا رأيي"، "لكن من المؤكّد بأنّك تفهم أكثر منّي". وعلى الأرجح نَتَجَ هذا الضّعف بالإيمان بالنَّفْس من إحباطات حقيقيّة في الحياة، مثل:
1- علاقات والِديَّة في السِّنين الأولى أدَّت إلى شعور عميق بالإحباط. على سبيل المثال وجود أُمّ أو أبّ في البيت، يفرض قوانين صارمة ويحذِّر الأطفال من كسرها، الأمر الذي يقود الطّفل إلى ربط القيمة بالأداء، فإذا قلَّ أداؤه يشعر بانخفاض في إحساسه بقيمته الأمر الذي يقوده إلى شعوره الدّائم بالنَّقص.
2- أيضاً وجود أُمّ أو أبّ قاسٍ لا يسمح بأيّ مساحة من الفشل، ممّا يجعل أولاده عندما يكبرون يميلون إلى الكماليّة والإحساس بالإحباط والاكتئاب، خصوصاً لو اختبروا أيّ نوع من الفشل في أيّ جانب من جوانب الحياة.
3- أُمّ أو أبّ مُدلِّل للدّرجة التي يجعل فيها ابنه يميل إلى النَّرجِسيّة، وينتظر أن تقدِّم له الحياة كلّ ما يرغب فيه، وعندما يتقابل مع صعوبات الحياة الحقيقيّة يعجز عن مواجهتها ويُظهر ضعفه في تحمُّل المسؤوليّة ممّا يعرّضه إلى الفشل في الحياة.
4- أُمّ أو أبّ غائب أو الحاضر الغائب الذي لا يلعب أيّ دور في حياة ابنه، ممّا يخلق لديه إحساساً بعدم الأمان وفقدان الحماية، وإحساس بهجر غير مفهوم لوجود الأبّ في حياته واقعيّاً، لكن لغيابه نفسيّاً ومعنويّاً في الوقت ذاته.
5- الشّعور بالإخفاق في أحد جوانب الحياة. في بعض الأحيان لا نرى كلّ جوانب الحياة خصوصاً المستقرّة منها، ونركِّز جُلَّ انتباهنا على ما نشعر بأنّنا أخفقنا فيه، على سبيل المثال:
- تركيزي الدّائم على فشلي الدّراسي أو الوظيفي أو على حصولي المستمرّ على مستوى أقلّ من المطلوب والمتوَّقع.
- تركيزي على شهاداتي القليلة.
- على شكلي غير الجميل.
- على أسرتي الفقيرة.
- على زواجي الفاشل.
- على عدم نجاحي في عملي.
- على قراراتي الخاطئة.
- على عدم نجاحي في صنع العلاقات.
- على ضعفي العام في مهارات الحياة.
الرّسائل السّلبية:
تأتي هذه الرّسائل من أولئك الذين لا يشعرون بسلام داخلي مع أنفسهم أو مع العالم من حولهم. من خلال هذه الرّسائل السّلبيّة تُقدِّم الأُمّ أو يقدِّم الوالد لابنه أو لابنته أفكاراً سلبيّة عن قيمة الإنسان أو قيمة الحياة نفسها، مثال:" لا رجاء فيك" " أنا زهقت من فشلك المستمرّ" " يا رب أموت وأرتاح أو تموت وتريّحني"، أو رسائل تخلق جوّاً من الفشل والسّلبيّة مثل: "لا يوجد أمل فيك" أو "الحياة لا رجاء منها، الموت أحسن". الانطباع الذي يأتينا من كلّ ذلك:
- أشخاص كانوا يُكنّون لنا المحبّة والتّقدير، وقاموا برفضنا.
- وجود احتياجات مادّيّة غير مُسدَّدة.
- وجود أخطاء ارتكبناها، جَرَحْنا بها آخرين.
وهكذا يتسلّل إلينا شعور خبيث بالنّقص وتصديق للفشل أكثر من النّجاح، ومَيل تلقائي لعدم تصديق أيّ تشجيع أو تقدير.
التّعامل مع الشّعور بالنّقص:
الخطوة المثلى للتّعامل مع الشّعور بالنّقص، هي تحديد جذوره ومن أين بدأ في الظّهور والنّموّ، ثمّ القيام بإخراج هذه الجذور إلى النّور كي لا تنمو في الظّلام، فإن اكتشفنا الأسباب علينا أن نواجهها وأن نكرّر لأنفسنا الرّسائل الإيجابيّة والحقيقيّة حتّى تصبح هي أفكارنا التّلقائيّة، بدلاً من الرّسائل السّلبيّة وتعميم الإخفاق وتكرار أخطاء الآباء.
في مسار تعاملاتنا مع مشاعر النّقص المُصاحِبة في أوقات عديدة للاكتئاب، علينا أن نفهم بأنَّه إن كانت لدينا الرّغبة والدّافع الحقيقي للشّفاء والتّغيير، حينئذ يمكننا أن نغيّر هذا المَيل نحو التّقييم السّلبي للذّات. ولتحقيق النّجاح في التّغيير نحتاج إلى إرادة قويّة ودافع حقيقي، لأنَّ عمليّة التّغيير هذه هي عمليّة تغيير في الشّخصيّة، وهي تتطلّب مجهوداً ووقتاً، لكنّها تتضمّن الكثير من عودتنا للأنماط القديمة وعند سقوطنا مرّة أُخرى في الفشل، لا سبيل لنا إلّا أن نعاود المحاولة مرّة أُخرى. والمشجِّع أنّنا لا نعود من نقطة البداية التي تعوّدنا عليها، لأنَّ ما سبق أن عرفناه وتعلّمناه أخذنا إلى الأمام، بالرّغم من الفشل. والمثابرة تحتاج إلى إرادة صلبة لا تلين، ودافع قوي وإيمان ثابت بنعمة الرّبّ ومحبّته التي تسندنا وتحمي ظهورنا ونحن نقوم بهذه الرّحلة، التي لا تخصّ فقط قضيّة الشّعور بالنّقص بل تشمل كلّ القضايا التي تختصّ بالتّغيير في الشّخصيّة. كذلك في سَعيِنا للتّطوير علينا رؤية أنفسنا على حقيقتها والاعتراف بما لدينا من مميّزات ومناطق قوّة، يجب أن نُقرّ بها ونركّز عليها ونسعى لتطويرها.
الحلّ في المحبّة الإلهيّة الكاملة:
كلمة الله في الكتاب المقدّس تُخبرنا بأنّ الله هو من أحبّنا أولاً، رسالة يوحنّا الأولى 4: 19
. إنَّه قرار واعٍ صادر عن سابق إصرار من قلب الإله نفسه، قرار غير مَبني على الأخذ والرَّدّ. محبّته لنا لا تتحكّم بها شروط أو ظروف أو أوقات، نحن محبوبون ليس لشيء فينا بل لأنّه فقط، هو أحبّنا. لذلك لا نخاف، من أن نُرفَض منه، فهذا لن يحدث أبداً، فمحبّة الله لم تصدر عنه لأنّنا سَعَينا إليها أو رجوناه كي يُظهِرها لنا. لقد بادر هو بها، ونحن فَشَلة خطاة كارهين لأنفسنا مرفوضين من المحيطين بنا، أحبّنا وبحث عنّا حتّى وجدنا ليُعلن عن محبّته لنا.
يقول الرّسول يوحنّا في رسالة يوحنّا الأولى 4: 10
. فإن كنّا ونحن خطاة أحبّنا ومات عنّا، كيف نخاف من أن نُرفَض منه؟.
إنَّ شعورنا بالرّفض أو النّقص أو إحساسنا بالدُّونيّة، يمكن له أن ينتهي لو فهمنا وأدركنا مدى حُبّ الله لنا. حُبّ ليس كحُبّ أبوَينا الأرضيّين، لكنّه حُبٌّ سماوي، حُبّ له مذاق مختلف من نوعيّة مختلفة. نحن محبوبون، لأنّه دُفِع فينا ثمناً غالياً هو "دمّ يسوع المسيح". تقول كلمة الله في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 8
.
المحبّة الحقيقيّة هي المحبّة الإلهيّة التي لا تحكمها قوانين سوى قانون المحبّة نفسه.
مقال للدكتور/ أوسم وصفي
إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، وتحبّ أن نصلّي لأجلك .. اتّصل بنا