تُرى ما هو مرض هذا العصر؟ قد تُجيبني سريعاً أنّه مرض نقص المناعة المُكتَسب (الإيدز) أو فيروس c. ربّما ـ على مستوى الأمراض العُضويّة ـ تكون إجابتك صائبة!، لكن هل تُراك فكّرت ... ما هو مرض هذا العصر وكلّ عصر؟ المرض القديم الحديث،
المرض الخطير الذي يقضي على طاقات الإنسان وقدراته الخلاّقة، ويجعله عاجزاً وفاشلاً ومُحبَطاً وغير قادر على تصريف أمور حياته، ولا على مُواجهة مشكلاته وصعوبات الحياة التي تقابله، فضلاً عن أمراضٍ عضويّةٍ كثيرةٍ قد يتسبّب بها .....!
إذا بحثت ـ صديقي ـ عن هذا المرض فستكتشف فوراً أنّه مرض القَلق. فهذا المرض يُعتَبر مرضاً فتّاكاً يؤثّر على سلامة الإنسان العقليّة والذهنيّة، ويُفقده الكثير من الإمكانات التي منحها الله له كي يعيش حياة سعيدة وهادئة ومُطمئنّة. وهو بكلّ أسف يُعتَبر مرضاً واسع الانتشار لا سيّما في أيّامنا هذه. ونظرة واحدة لحياتي وحياتك وحياة الكثيرين المُحيطين بنا، لَهِيَ كفيلة بأن تجعلنا نُدرك المدى الواسع لانتشار هذا المرض والتأثير السّلبيّ البالغ الذي يُسبّبه في حياة الكثيرين.
والآن، دعنا نناقش معاً بعض الأمور المُتعلّقة بهذا الموضوع.
لماذا يَقلق البشر؟
ـ بعض النّاس يقلقون خوفاً من مستقبلٍ غامضٍ مجهول:
يُعتبر هذا السّبب من أهمّ الأسباب التي تجعل البشر يقلقون ومن أكثرها شيوعاً، فكما هو معروف أنّ الإنسان مهما بلغ من تقدُّمٍ وتطوُّرٍ، يظلّ ضعيفاً وعاجزاً أمام أمورٍ كثيرةٍ تواجهه كلّ لحظة بحياته ويقف إزاءها قليل الحيلة، عاجزاً غير قادر على مواجهتها أو التّصرُّف معها، فأمور مثل المرض والصّحّة، الموت والكوارث الاقتصاديّة أو العجز أو البطالة ... الخ، إنّما تُسبّب للإنسان مُشكلات لا حصر لها.
ـ بعض النّاس يقلقون بسبب الأخطار الطّبيعيّة: لقد قابلتُ الكثير من النّاس الذين يرتعِدون خوفاً ورعباً من الكوارث الطّبيعيّة التي تجري في أماكن كثيرة من بلدان العالم، كالزّلازل والسّيول والأعاصير والمجاعات والأوبئة. ومَشاهِد معاناة أولئك الذين يُقاسون الأهوال ويُصارعون الموت في هذه الأماكن المنكوبة، تلك التي تنقلها وسائل الإعلام للبشر جميعاً في كلّ مكان تتسبّب هي الأخرى في الكثير من القلق والخوف لدى البشر أجمعين.
ـ بعض النّاس يقلقون لأنّهم اعتادوا على ممارسة أمرٍ كهذا!!: فالقلق يمكن أن يُصبح عادة ويتحوّل إلى نوع مرضيّ من الإدمان الذي يعتاده الإنسان، فيتأصّل فيه كالدّاء المُزمن الذي لا يجد منه فكاكاً، ووقتها قد يصل الأمر بالإنسان أن يحتاج لمساعدة طبيب مُتخصّص (وهذا بالطّبع أمر ليس خطأ على الإطلاق، بل هو أمر مطلوب في مثل هذه الحالة). وعموماً فإنّ مساعدة الله للإنسان تكون هي الملجأ الذي يُمكّنه من التّغلُّب على أمور كهذه.
ـ بعض النّاس يقلقون من جهة الله (أو قد يكون لديهم خوف من الله)!: ويحدث ذلك كثيراً لأنّ الشّيطان يضع أمام عيونهم صورة مُضلِّلة وخادعة ومشوَّهة عن الله، أنّه يتربّص بنا وينتظر لنا الخطأ ليعاقبنا، أو أنّه ـ حاشا له تعالى ـ إلهٌ قاسٍ وعنيفٍ يودُّ أن يتعقّبنا ليديننا. لكنْ كلمة الله الحيّة تُعلن لنا أنّه تعالى إله مُحبّ وصبور وطويل الأناة ويحتملنا. ويقلق النّاس أيضاً من جهة الله لأنّهم خطاة غير قادرين أن يتمتّعوا بأمن الله وسلامه. يقول الوحي المُقدّس: (لا سلام قال إلهي للأشرار). فهم يقلقون لأنّهم لم يعرفوا الله معرفة شخصيّة حقيقيّة، ولم يُسلِّموا دَفّة الحياة له هو ليقودها لِبَرّ الأمان وسط بحر الحياة الصّاخب المُتلاطم الأمواج، وهم يقلقون بسبب نقص إيمانهم الذي به فقط يكون بمقدورهم أن يستمدّوا الطّمأنينة والثّقة بأنّ الله إله صالح يهتمّ بهم وهو لن يتركهم في هذه الحياة بمفردهم، بل سيسير الطّريق معهم وسيرعاهم وهذا هو السّبب الحقيقي الذي ينبغي ألّا يجعلهم يشعرون بالقلق. سألَ عصفور عصفور آخر قائلاً: "لماذا تُرانا نجد بني البشر دوماً قلقين، مُتوتّرين، يضطربون ويجزعون دوماً؟!". أجابه العصفور الآخر قائلاً: "يبدو أنّه ليس لهم إله يُحبُّهُم ويهتمُّ بهم مِثلنا!".
كيف تتحدّث كلمة الله الحيّة عن القلق؟
قال يسوع في إنجيل يوحنّا 10: 10 . وقال الرّسول بولس في رسالته إلى أهل فيلبّي 4: 4 - 7 . وقال أيضاً الرّسول بُطرس في رسالة بطرس الأولى 5: 7 . يمكنك الرّجوع أيضاً لتعاليم الرّبّ يسوع الرّائعة بخصوص القلق، تلك التي قدّمَها للجموع بموعظته الشّهيرة على الجبل والتي دوّنها لنا البشير متّى بإنجيله متّى 6: 25 - 34 .
كيف يمكننا أن نتعامل مع القلق؟
إعلم أنّه لا توجد حياة بلا مُنغِّصات!
فأمور مثل الآلام والمعاناة والمُضايقات، إنّما هي ـ بكلّ أسف ـ تُعتَبر طبيعيّة في هذه الحياة ولا تخلو حياة أيّ إنسان منها، لكنّها تأتي وتمضي، وإن استمّرت لبعض الوقت. لذا فإنّه يكون لِزاماً على الإنسان أن يتأقلم معها ويُدرّب نفسه على تقبُّلها كأمر طبيعيّ في الحياة.
عِش في حدود يومك:
لا تقتل نفسك بالتّفكير في الغدّ وبالمشغوليّات، والقلق لأجل المُستقبل وما قد يحمله لك. بل درّب نفسك على العيش في حدود يومك. لقد علّمنا الرّبّ يسوع أن نُصلّي ـ في الصّلاة الرّبّانيّة ـ قائلين: "... خُبزنا كفافنا، أعطنا اليوم..". والمقصود ألّا نحمل هَمّ التّفكير بالمزيد من الخُبز للأيّام التّالية، وأن نعيش كلّ يوم بيومه واثقين ومُطمئنّين أنّ لنا أباً سماويّاً صالحاً يهتمّ بنا ويرعانا، وهو لن يترُكنا نحتاج، لكنّه سيمدّنا أوّلاً بأوّل بما نحتاجه من غذاء ومعونة من كلّ نوع نحتاج إليه.
أطرد القلق وقاومه، درّب نفسك على الاتّجاهات الإيجابيّة وأقلِع عن الاتّجاهات السّلبيّة:
قال أحد الزّعماء: "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس". وهذه العبارة صحيحة لحدٍّ كبيرٍ، ولقد استوقفتني عبارة أُخرى قالها أحد المُتخصّصين في المشورة، إذ قدّم هذه النّصيحة قائلاً: "تعلّم كيف يمكنك أن تصنع من اللّيمونة الحامضة شراباً حُلواً". نعم، فإنْ قادَتْنا الظّروف لأمور صعبة كحموضة اللّيمون، فعلينا أن نحوّلها ـ بنعمة الله تعالى ومعونته لنا ـ لأمرٍ حلوٍ وفاعلٍ ومُؤثّرٍ، لمصلحتنا ولخير الذين حولنا. لذا تعامَل مع المشكلات والصّعوبات بروحٍ إيجابيّةٍ.
تعامَل مع النّقد بهدوء وموضوعيّة:
لا تكُن مثاليّاً أو حسّاساً بشكل زائد تجاه من ينتقدوك،فكثيرين منهم لا يكرهونك بل يودّون مساعدتك. واعلم أنّك بقَدر نجاحك بقدر ما ستُنتَقد!. يقولون إنّ النّخلة المُمتلئة بالثّمر ترُدُّ على الأحجار التي يقذفها النّاس بها بالثّمرات الحُلوة. ثِقْ أنّ الحجر الذي لا يقتلك، هو نفسه ـ بدون شكّ ـ يَبنيك ويزيد من صلابتك وكفاءتك وقوّة احتمالك. لذا ابتسم واهدأ في مواجهة النّقد حتّى لو لم يكن غرضه نبيلاً، ولا ترُدّ على الإساءة بمثلها، بل رُدّ بالابتسامة والثّقة والهدوء والغُفران، فهذا أفضل لسلامتك.
إعلم أنّ الله إله صالح واقتربْ منه في أوقات قلقك وأزَماتِك، فتجد العون والقوّة والإرشاد:
لا يستطيع أيّ إنسان ـ مهما كانت درجة صلابته ومهما كان قويّاً وتدرّب على كلّ ما قدّمتُه من وسائل مُساعدة ـ أن يظلّ ثابتاً وقويّاً، من دون معونة الله ورفقته ورفعته له، والكتاب المقدّس يُعلّمنا أنّ الله يجعل كلّ الأشياء ـ بما فيها المصائب والأزمات ـ تعمل معاً للخير للذين يُحبُّون الله. والله يتوقّع منك أثناء الأزمات أن تلجأ له فيرفعك ويقوّيك حتّى تجتاز الأزمة بسلام، وهو يتوقّع منك دوماً وفي كلّ الظّروف والأحوال، أن تتوطّد علاقتك به فيُحسِن إليك ويباركك، فهل تُراك تعلّمت هذا الدّرس؟
صديقي القارئ، أتمنى أن تكون مقالة اليوم قد أفادتك وأعطتك أملاً للغدّ. إذا كان حديثي هذا قد أعجبك أو أثار عندك أسئلة فأنا أدعوك لتشاركني بها وسأكون سعيداً بالرّدّ عليها. والرّب معك.
إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، وتحبّ أن نصلّي لأجلك .. اتّصل بنا