هو عادة أو سِمة سلبيّة لكنّها تنتشر، للأسف، كثيراً بين بني البشر على اختلاف أماكنهم ومراكزهم. فما هو
الكذب وما هي أنواعه؟ لماذا يكذب بني البشر، وما هي النّتائج التي تترتّب على ذلك؟ ما رأي الله فيه وكيف يمكننا التّغلُّب عليه؟
ما هو الكذب؟
الكذب هو إخفاء الحقائق أو جزء منها، أو قولها بأسلوب أو إيحاء يتنافى مع الواقع أو يُعطي انطباعاً يُخالف الحقيقة.
هل للكذب أنواع، وهل يُمكن بأيّ حال أن يكون مقبولاً؟
الإجابة بالقطع هي لا، ففي الحقيقة، يظلّ الكذب هو الكذب مهما اختلف شكله أو مضمونه، ومهما حاولنا إخفاءه أو معالجته، ويُطلِق بعض البشر صفاتاً أو ألواناً على الكذب في مُحاولة لتبريره أو لنقُل لتخفيف حدّته ومحاولة إقناع النّاس بقبوله، كأن يقول البعض إنّ الكذب الذي يكون الهدف من ورائه نبيلاً أو عظيماً (كإخفاء حقيقة مرض خطير ما عن مريض، أو اخفاء موت أحد الآباء أو انفصاله عن الشّريك الآخر بادّعاء أنّه مُسافر مثلاً مثلما يعمل الكثيرون! ... إلخ).
لكن الحقيقة التي نودُّ أن نُؤكّد عليها هنا هي أنّ الكذب يظلّ هو الكذب، وأنّه لا بدّ وسيأتي الوقت الذي ستنكشف فيه الحقيقة بشكل جليّ، كما نقرأ في إنجيل لوقا 8: 17
، وإن كان الحقّ سيظهر إن عاجلاً أم آجلاً فمن الأفضل مواجهته والتّكيّف معه، بدلاً من تأجيل تلك المواجهة أو الهروب منها بمثل هذه الأساليب المُلتوية!.
لا يا صديقي، إنْ كذبنا بدافع قد يبدو نبيلاً لا يُمكن أبداً أن يُغيّر من حقيقة أنّه كذب، وأنّ الله لا يُحبّ الكذب أبداً ولا يقبله، وأنّ الأمور لا يُمكن أبداً أن تستقيم إن كان الكذب هو الأسلوب المُتّبع لإخفاء الحقائق أو لتحقيق المكاسب بأسلوب لا يليق!.
لماذا يكذب البشر؟
وحريّ بنا ونحن نقوم بدراسة موضوع كهذا أن نبحث عن السّبب أو الأسباب التي تجعل الإنسان يكذب. في الحقيقة تتعدّد الدّوافع والأسباب بل والمُسمّيات التي تقف خلف كذب الإنسان، ولعلّ من أقوى الدّوافع التي تقف خلف كذب الإنسان أموراً مثل مُحاولته تبرير موقف خاطىء ارتكبه، أو تغطية عيب أو ضعف أو قصور عنده، أو لإخفاء أو (تزويق) وضع ضعيف للذّات أو للكَيان وهكذا، فالموظّف الذي يتأخّر عن الذّهاب لعمله في الموعد المُحدّد قد يكذب ويدّعي أنّ المواصلات لم تأتِ في موعدها المُحدّد، والطّالب الذي لم يُكمل واجباته المطلوبة منه قد يكذب ويدّعي مثلاً أنّ أحد والدَيه قد تعرّض لحادث ألمّ به ممّا لم يوفّر الوقت الكافي له لاستكمال واجباته! وهكذا .... ويجدر بي هنا أن أقول إنّ من يكذب لينجو من مواجهة عقاب أو للخروج من مأزق وضع نفسه فيه، فإنّه سيضطر لاحقاً أن يدفع ثمناً بشكل أو بآخر، (هو أو الآخرون من حوله) لما قد يكون قد ارتكبه من أكاذيب أو أخطاء.
ماذا يُنتج الكذب؟
صديقي القارىء، هل تخيّلت نفسك تحيا وسط مُجتمع من الكاذبين؟ صف لي أيّ حال ستكون عليه!.
إنّ الكذب يأتي بالمزيد من الكذب بل والخطايا الأخرى الكثيرة. فآدم وحوّاء عندما اشتهيا الثّمرة المُحرّمة، كان ذلك أصلاً بسبب كذب الحيّة عليهما التي أغرتهما أن يأكلا من الثّمرة فيصيران كالله عارفَين الخير والشّرّ، فأتت الشّهوة بكسر وصيّة الله، ثم كانت نتيجة الخطيّة السّقوط ومُحاولة كلّ طرف منهما إلصاق التّهمة بالآخر، فآدم ألقى بالخطيّة على حواء قائلاً لله: "المرأة التي أعطيتني". وهي تُهمة موجّهة لله نفسه، وكأنّه يقول لله، لو لم تكُن أنت قد أعطيتني هذه المرأة لما كُنتُ قد أخطأت!. والمرأة ألصقت التُّهمة بالحيّة التي أغرتها، وهكذا ....
عزيزي، إنّ الكذب يخلق جوّاً من التّذبذُب والتّردّد وعدم الثّقة وعدم المصداقيّة. إنّ الزّوجة التي يكتشف زوجها أنّها قد كذبت عليه في أمر ما مهما كان صغيراً، قد تدفع ثمناً غالياً لذلك كأنْ يظلّ الزّوج يشُكُّ فيها بقيّة العُمر وفي آلاف الأمور. ومع أنّنا بالطّبع لا نُقرُّ بصحّة هذا الموقف من الزّوج، لكن هذا لا ينفي أنّ الزّوجة بكذبها عليه تكون هي المسؤولة الأولى عن وضع تلك الشّرارة من الشّكّ وعدم الثّقة بينهما. والأطفال الذين يرون آباءهم يكذبون على بعضهم البعض أو على الآخرين، من الطّبيعي أن يتعلّموا هم أيضاً أن يكذبوا على آبائهم أوّلاً بالطّريقة نفسها التي يرونها فيهم، ثمّ على الجميع من حولهم كلّما لزم الأمر!!.
صديقي، لا يُحبّ الواحد منّا أن يحيا في مُجتمع من الكذّابين، لذلك فإنّه يكون حريّ بنا أن نبدأ بأنفسنا فنُقلع نحن عن الكذب على الآخرين، فلا يكذبون هُم أيضاً علينا.
أريدك أخيراً في هذا الصّدد أن تُفكّر في أنّ ما تُخفيه اليوم (أو ربّما تهرب منه أو تُداريه بالكذب!) لا بدّ أنّك ستدفع ثمنه غداً، هذا هو القانون الطّبيعي لا محالة. فليسأل كلّ منّا نفسه، هل تُراه مُستعدّاً لذاك اليوم الذي سينكشف فيه كذبه وينفضح فيه السّرّ الذي عمل أن يُخفيه ربّما لوقت طويل ظانّاً أنّ الأمر سينتهي؟ لكن ليعلم كلّ إنسان أنّه سيأتي الوقت الذي فيه سينكشف كذبه مهما طال الزّمن. فلنحذر إذاً من عواقب ما نعمله!.
ماذا يقول الله عن الكذب؟
لقد وردت 177 آية في كلمة الرّبّ المُقدّسة تنهى في مُجملها عن الكذب. أذكر منها الشّواهد التّالية:
خروج 23: 7
، لاويين 19: 11
، أيّوب 35: 13
، مزمور 4: 2
، مزمور 5: 6
، مزمور 12: 2
. إنّ الكذب والقَسَم (الحَلف) ومثل هذه الأمور ينهانا عنها الله تماماً. ويُخبرنا الوحي المُقدّس أنّ يسوع علّم قائلاً في إنجيل متّى 5: 37
. وتعليم يسوع واضح هنا أنّ علينا أن نتكلّم باستقامة ووضوح وانضباط، دون كذب " أو لفّ أو دوران!".
كيف يُمكنني أن أُقلع عن الكذب؟
يتطلّب الأمر منّي أوّلاً قناعة، ثمّ تصميماً.
القناعة بأنّ الكذب أمر ممقوت لله وللنّاس، وأنّني ما دمتُ لا أحبُّ أحداً من النّاس أنْ يكذب عليّ، فيجدر بي أنا أيضاً ألّا أكذب على الآخرين، وأن أتيقّن أنّ الكذب لن يأتي بخير ولن يُصلح عيباً بأيّ حال من الأحوال، لذلك فالاستقامة والصّراحة والوضوح والأمانة كلّها مفاتيح مُهمّة ومُباركة لي إن أنا أردت أن أحيا الحياة الصّحيحة. ثمّ التّصميم على ضوء هذه القناعة أن أكون حاسماً مع نفسي، وألّا أكذب أبداً مهما تطلّب الأمر أو الموقف الذي أجتازه، فالنّاس يحترمون الواضح والصّريح، واعترافي بأخطائي وضعفاتي وسقطاتي سيزيد من ثقتي بنفسي ومن احترام النّاس وتقديرهم لي، هذا فضلاً عن مكافأة الله وإحسانه وبركاته لي إن أنا كنت أميناً معه، فالله لا يُحبّ الكذب! وهو يُساعد من يريد أن يُرضيه.
إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، وتحبّ ان نصلّي لأجلك .. اتّصل بنا