يسعى البشر في كلّ زمان ومكان ليكتشفوا ما الذي يُريده الله منهم وكيف يُمكنهم أن يُحقّقوه.
ويبدو أنّ أمراً كهذا يُمثّل عقبة كُبرى أمام الكثيرين
الذين لا يعرفون كيف يسمعون كلام الله وكيف يجدون طريقه!.
لكنّ الأمر نَفْسه للبعض الآخَر لا يكون بمثل هذه الصّعوبة، بل هُم بمُتعة وفرح يعرفون كيف يسمعون صوت الله، وكيف يتعرّفون على مشيئته لحياتهم ويُحقّقونها. يا لها من مُغامرة رائعة ومثيرة!!.
لكنّ السّؤال الذي يطرح نَفْسه هنا هو: هل حقّاً يتكلّم الله؟ كيف؟ وبأيّ لسان يتكلّم؟ وكيف يُمكن للإنسان أن يسمع صوته ويعرف مشيئته؟.
سنحاول أن نجيب عن هذه الأسئلة متتمنّين أن تقضي معنا وقتاً مُمتعاً ومُبارَكاً.
• هل الله يتكلّم؟
من المؤكّد دون أدنى شكّ أنّ الله يتكلّم حتّى من قَبْل خَلْق آدم (الإنسان الأوّل وبِكر كلّ بشر). إنّ كلمة الله الحيّة المُقدّسة تكشف لنا كيف أنّ الله كان يتكلّم منذ بدايات الخَلْق، فقد أتت عبارة "وقال الله" في بداية العدد الثّالث من سفر التّكوين ثمّ تكرّرت مراراً كثيرة، أثناء خَلْق الله للأرض والجَلَد والبحار والمُحيطات والزّروع والأسماك و.... حتّى خَلْق الإنسان (أتت عبارة قال الله ومُشتقّاتها في الأصحاح الأوّل وحده من سفر التّكوين إحدى عشرة مرّة). ثُمّ يُحدّثنا الكتاب المُقدّس أنّ الله أحَبَّ الإنسان تاجَ مخلوقاته واتّخذه له صديقاً. يقول الوحي المُقدّس أيضاً تعبيرات مُختلفة عن حديث الله مع الإنسان، مثل: "قال الله، أوصى الله، ... فنادى الله". وكُلّها عبارات تُبيِّن بما لا يدع مجالاً للشّكّ أنّ الله حقّاً يتكلّم. كما أنّ بقيّة أسفار الكتاب المُقدّس أيضاً كلّها تُثبت صحّة ذلك.
• كيف تكلّم الله في العهد القديم؟
كان الله يتكلّم في العهد القديم بطُرق ووسائل متنوِّعة، منها الرُّؤى والأحلام والظُّهورات والإعلانات، ومنها أيضا الكلام المُباشَر للأفراد. وهو إن كان قد تكلّم مُباشرة لأفراد بعَيْنهم مثل ابراهيم وموسى ونوح، إلّا أنّه ـ في العادة ـ كان يتكلّم مع عامّة النّاس من خلال أنبيائه القدّيسين الذين اصطفاهُم ليقوموا بمثل هذه المُهمّة المُقدّسة، مثل يشوع وإيليّا وأليشع وجدعون ويونان و.... كان الله يُعطي تعليمات مُحدّدة ورسائل واضحة لأنبيائه، ليحملوها هُم للأفراد أو للملوك أو للشّعوب التي يُريد الرّبّ أن يتحدّث بها إليهم.
• كيف تكلّم الله في العهد الجديد؟
يُجيبنا كاتب الرّسالة إلى العبرانيّين في العهد الجديد، إجابة واضحة ودامغة عن مثل هذا السّؤال إذ يقول عبرانيين 1: 1 - 2
. ويقول يوحنّا في إنجيله إنّ الكلمة هوالله يوحنّا 1: 1 - 14
، كما يتحدّث عنه أيضاً في رسالة يوحنّا الأولى 1: 1 - 3
. إذاً فالأمر واضح هُنا، لقد تكلّم الله لنا في العهد الجديد أيضاً، ولكن بإعلان يسوع المسيح كلمة الله المُتجسِّد.
• كيف يتكلّم الله لنا اليوم؟
مع أنّ الله مازال يتحدّث إلينا اليوم أيضاً بطُرق حياتيّة بسيطة كثيرة ومُتنوّعة يُمكننا أن نفهمها، كالألم والمرض والضّيق والظّروف المُختلفة التي نمُرُّ بها ـ سعيدة كانت أم تعيسة ـ فإنّ مثل كلّ هذه الأمور تكون بمثابة وسائل أو أدوات يستخدمها الله لاجتذابنا إليه ويتحدّث إلى قلوبنا بها. لكن، تظلّ كلمة الله الحيّة الباقية ـ الكُتب المُقدّسة التي تتحدّث كلّها عن فداء الله للإنسان بيسوع المسيح، الله المُتجسِّد ـ هي إعلان الله الواضح لنا اليوم، وهي الوسيلة التي يُمكننا بها أن نصل إلى الله ونسمع صوته.
• لماذا ينبغي عليّ أن أسمع صوت الله، وماذا إن لم أفعل؟
إنّ كثيرين من البشر يحيون حياتهم على الأرض دون أن تكون لهُم أيّة معرفة أو اقتراب أو اتّصال بينهم وبين الله، غير مُهتمّين بسماع صوته أو طلب مشيئته لحياتهم، غير عابئين بأبديّة أو يوم حساب ينتظرهم، ولا مُهتمّين بما يريده الله لحياتهم. وأنت تجدهم يترنّحون في الحياة، تعلو وتهبط بهم الأحوال وتتقاذفهم أمواج ظروف الحياة العاتية بلا أدنى أمل في نجاة أو في بلوغ بَرِّ أمان يرتاحون فيه!!.
إنّ كلّ إنسان لا يُقيم علاقة شخصيّة حيّة مع الله لن يكون بمقدوره أبداً أن يضمن سلامته وسعادته، ولا أن يكون مُطمئنّاً تجاه مصيره الأبديّ. فالإنسان البعيد عن الله مهما أعطته الحياة من مال أو جاه أو شُهرة أو نجاح، فهذه كلّها أمور وقتيّة لن تُشبع أبداً جوع نفسه الرّوحي الدّاخلي وحاجته لأن يعرف الله. قال يسوع في إنجيل متّى 16: 26
.
• ما هي مشيئة الله المُعلَنة للبشر جميعهم؟
مع أنّ الله بالطّبع لا يحتاج للإنسان على أيِّ مستوى من المُستويات، إلاّ أنّ الله ـ في محبّته ـ يحثُّ الإنسان أن يُقيم علاقة حيّة معه كي يضمن لنفسه السّعادة والحياة الأبديّة. ما هي مشيئة الله للإنسان إذاً، لكلّ إنسان في كلّ زمان ومكان؟ إنّها أن يعرفه. الله يريد أنّ الجميع يخلصون وإلى معرفة الحقّ يُقبلون. الله يودُّ ـ وهو الإله العالي والسّامي ـ أن يُقيم معك أنت علاقة شخصيّة، لأنّه يُحبّك أنت، ويُريد أن يُخلّصك أنت من سُمِّ الخطيّة ونتيجتها وعقابها. وهو قد أعدّ خطّة كاملة لفدائك، وأتاح لك الفُرصة لأن تعرفه بقبولك عمل المسيح على الصّليب لأجلك، فهل تُراك تفعل؟.
• كيف يُمكنني أن أعرف الله، وأن أسمع صوته؟
لا يحتاج الأمر لأكثر من أن تنضمَّ لعائلة الله. إنّ كلّ إنسان لم يُسلّم قلبه لله ولم يطلب الله كي يُطهّره من خطيّته، ولم يُعلِن توبته أمام الله عمّا قد ارتكبه ـ ويرتكبه ـ من خطايا وذنوب، فلَن يكون بمقدوره أن يعرف الله ولا أن يسمع صوته.
إنّ هذه هي نُقطة البداية الحقيقيّة، فلا صلوات ولا أصوام ولا عبادات ولا أعمال صالحة ولا ...... يُمكن أن تجعل الله يقبلنا إن لم نُقدّم توبة حقيقيّة ونطلب غفرانه. بعدها، سيكون بمقدورنا أن ننضمَّ إلى قطيعه وأن نتمتّع بسماع صوته. قال المسيح في إنجيل يوحنّا 10: 4 - 5 و27
. وقال الرّسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس 2: 1 - 9
.
كلمة أخيرة لك عزيزي القارىء ...
أنا أدعوك أن تجلس بهدوء وصفاء وتعقُّل، وتفكّر في الله وفي علاقتك به. إنّ دعوتي لك هي فقط أن تعرف الله وأن تقبله في حياتك وأن تُسلّم له قلبك وحياتك بحقّ. يقول الوحي المُقدّس في إنجيل يوحنّا 1: 12 . وسلطان أولاد الله هذا هو الذي يكون بمقدورنا من خلاله أن نستمع لصوت الله. لقدّ قدّم يسوع الدّعوة لكلّ تائه وحائر ومُتعَب، ليرجع إليه فيجد فيه الرّاحة والسّلام. لقد قال يسوع في إنجيل متّى 11: 28 . ووعد يسوع أيضاً كلّ من يُقبِل إليه أنّه لن يطرحه أو يرُدّه خائباً وذلك في إنجيل يوحنّا 6: 37 . وهو قال عن نفسه في إنجيل يوحنّا 14: 6 فهو الطّريق الحقيقي للوصول لله. لذا أُريدك أن تعرف ـ صديقي ـ أنّ عبادتك الظّاهريّة لله لن تُجدي نفعاً في طريق وصولك له، لأنّ هذا هو الطّريق الوحيد الذي رسمه لنا الله بوضوح، ونحن ينبغي علينا أن نعمل ما يأمرنا هو به. لذا، إهدأ واسكُن أمامه، وأغمض عينيك للحظات ودعه يُخاطب قلبك بكلماته هو، أسكُن وابحث وفتّش، والله قادر أن يقود كلّ مُخلِص باحِث عن الحقّ لطريقه الصّحيح. والرّبّ يُباركك.
موضوعات مشابهة:
إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، ونحبّ أن نصلّي لأجلك .. (اتّصل بنا)