هي كلمة ما أحلاها،
وقعُها على الأُذُن أعذب بكثير من أروع الألحان
يتمنّى النّاس جميعاً أن يتمتّعوا بها ...
لأنّه بدونها تنقلب الموازين وتنهار الأعمدة وتقوم الحروب والمُشاحنات.
ودونها قد يخرج حتّى الطيّب والمسكين ـ أحياناً ـ عن طوعه إن نحن حرمناه منها، فما أقسى الظُّلم!.
هل تُراك عرفتها؟
إنّها العدالة!.
• ما المقصود بالعدالة؟
ربّما من الصَّعب أن نجد تعريفاً بعينه نَصِف به العدالة، لكن هُناك مُفردات كثيرة أخرى يُمكن عند استخدامها أن تُعطينا الإمكانيّة لفهم مُصطلح العدالة، منها: الحُريّة، حُريّة إبداء الرّأي، المُساواة، تكافؤ الفُرص، الحُقوق الأساسيّة للبشر ورفض التّقسيم العُنصري أو الطّائفي، اللا تمييز واللا تفرقة بين النّاس لأيّ سبب من الأسباب ..... إلخ.
إنّ كُلّ هذه المُفردات مُجتمعة يُمكن أن تُعطينا صورة واضحة عن العدالة. وأعتقد أنّ لا غنى لإنسانٍ أبداً عنها، لأنّ دونها تُمتَهن كرامته ويفقد سلامه وأمنه وشعوره بالقيمة. فهي إذاً على ما يتّضح ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحاجات النّفسيّة الأساسيّة للإنسان.
• هل يُمكننا أن نجد العدل على الأرض؟
الحقيقة هي بكُلّ أسف لا!. ولقد أرّقت هذه الحقيقة خيال الفلاسفة والأنبياء منذ قديم الزّمان!. فقد صرخ نبيّ الله "داود" في القديم مُتسائلاً في المزمور 11: 3
. وباستنكار صرخ "آساف" في حيرته في المزمور 73: 12
. وعَرَضَ نبيّ الله "حَبَقوق" أيضاً شكواه أمام الله في كلمات رائعة وبليغة صارخاً له حبقوق 1: 2 - 4، 13
.
يالها من أسئلة تُعبّر بصدق عن عُمق المأساة التي يعيشها البشر منذ القديم وإلى الآن!. ورُبّما يجدر بنا هنا أن نقول إنّك ياربّ لك حكمتك ونحن لا نستطيع إزاء أمور كهذه إلّا أن نطلب رحمتك، ونثق في صلاحك ومحبّتك.
• لماذا لا يسودُ العدل في الأرض؟
لا يسود العدل في الأرض لأنّ خطيّة الإنسان جعلته ينظر لمصلحته هو فقط بأنانيّة وغطرسة، فيكسر ناموس الحُبّ الإلهي ويدوس على الآخَرين ويتعدّى على حقوقهم لأجل مصلحته الشّخصيّة، دون أيّ اعتبار لمصالح الآخَرين!!.
ولا يسود العدل في الأرض لأنّ إبليس "الشّيطان" هو المُتسلّط على هذا العالم، وهو قد أَحكَم قبضته على بني البشر الذين لا يعرفون الله (وهم كثيرون بكُلّ أسف!)، وكذلك أيضاً على نُظُم وآليّات هذا العالم الذي نعيش فيه، فزاد الظُّلم وانتشر الفساد من حولنا على كُلّ شكل ولون. تتساوى في ذلك كُلّ البلدان والمُجتمعات مهما كانت حالتها أو ظروفها!.
• كيف يتحدّث الكتاب المُقدّس عن العدل والظُّلم؟
من المعروف أنّ الله اسمه العادل والأمين والبارّ. وبرّ الله وعدالته وأمانته تجعله لا يقبل الظُّلم أبداً ولا يطيقه. وهو يُحبّ الظَّالم وإن كان لا يُحبّ أعماله، فالله لا يكره أحداً، بل يُحبُّ الجميع مهما كانت ضعفاتهم ونقائصهم، ويرجو أن يرجعوا إليه فيجدوا عنده الرّحمة والتّوبة والمغفرة.
وهذه هي بعض الآيات التي اقتبستُها من كلمة الله المُقدّسة (الكتاب المقدّس)، والتي تتحدّث عن بِرِّ الله وعدالته:
تكوين 18: 25
. تثنية 32: 4
. مزمور 9: 8
. مزمور 11: 7
. مزمور 19: 9
.
كما أنّ يسوع نَفْسه كان قد تكلّم مع الجمع قائلاً لهم في إنجيل يوحنّا 7: 24
.
• بين عدالة الأرض وعدالة السّماء ...!
إنّ عدالة الأرض ظاهريّة، بينما عدالة السّماء حقيقيّة. إنّ عدالة الأرض مُؤقَّتة وتخضع كثيراً ـ بكُلّ أسف ـ لأهواء وأمور شخصيّة، بينما عدالة السّماء مُنزَّهة عن كُلّ هوى ورغبة خاصّة. إنّ عدالة الأرض يحكمها ميزان القوى والتّوازنات المُختلفة ومصالح الكبار والحُكّام، بينما عدالة السّماء تظلّ ثابتة وسامية وأمينة. إنّ عدالة الأرض يحكمها في أحيانٍ كثيرة، الكَيل بمِكيالَين واللا مساواة والقهر والظُّلم والاستبداد، وهي تُفصَّل وتُفسَّر كثيراً وفقاً لأمزجة القائمين على الأمور سواء كان الأمر شخصيّاً أو محليّاً أو حتّى دوليّاً، لكنّ عدالة السّماء لا يُمكنها إلاّ أن تقف مع الضّعيف والمهزوم والمظلوم والمقهور الذي لا سَنَد له!. نعم، ما أبعد الفارق بين عدالة الأرض وعدالة السّماء!.
• ماذا أفعل عندما أُظلَم؟
سلِّم للرّبّ طريقك واتّكل عليه. ثِق أنّه قريب جدّاً من المظلومين والمقهورين والذين لا مُعين لهم، وهو كما قال عنه "أيّوب" النّبي في سِفر أيّوب 34: 28
. وهو الذي قال عنه أيضاً "داود النّبي" في المزمور 72: 12
. ثِق واطمئِنّ أنّ عدالة السّماء لن تتركك مهما طال زمن الظُّلم. إرفع لله شكواك وشاركه بها واقترب منه دوماً صابراً وهو سيُعينك، فهو لم ولن يتخلّى أبداً عن لاجىءٍ إليه.
السّيّد المسيح جاء لأجل هذه الفئة من النّاس إذ قال في إنجيل لوقا 4: 18
. سلِّم للمسيح قلبك فهو أفضل طبيب وأنجع دواء، هو يعرف ما تشعر به وتُحسّه الآن. وفي الوقت نَفْسه يستطيع أن يشفيك من الدّاخل بمحبّته العجيبة ورحمته الفائقة التّصوُّر.
• وللظّالِم أقول:
لن يستمرّ الوضع هكذا، فلا بُدّ أن يأتي الوقت الذي فيه ستدفع ثمن ظُلمك وقساوتك. لن يستمرّ الوضع هكذا لأنّ الله لم ولن يترك الإنسان الذي أحبّه تحت سُلطة إنسان آخر، مهما بلغت قوّة هذه السُّلطة أو السّطوة أو النُّفوذ. لن يستمرّ الوضع هكذا لأنّ الله موجود.
ختاماً أقول:
لستُ أَجِدُ لمقالتي أروع من هذه الآية البليغة والرّائعة، أَتركُها للظَّالِم والمظلوم معاً. للظَّالِم كي يرتعد ويتّعظ، وللمظلوم كي يتشدّد ويتشجّع. يقول الحكيم "سُليمان" في سِفر الجامعة 5: 8
.
إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، وتحبّ أن نصلّي لأجلك .. اتّصل بنا