كلّنا يحاول بقدر الإمكان أن يوازن بين حياته الشّخصيّة وعلاقته مع أسرته وأصدقائه وساعات عمله وعبادته. والاحتفاظ
بالتّوازن صراع دائم، لكنّه غير مستحيل، فالكثير من العظماء عاشوا حياة متوازنة، وليس هذا فقط، بل رغبة الله لنا أن نحيا حياة متوازنة. والحياة المتوازنة تبدأ بمعرفة أين يريدنا الله أن نذهب، وما هي خطّته لذلك، وكيف نتمِّم خطّته. لذا يجب علينا استخدام وقتنا (هذه العطيّة المقدّسة التي منحها الله لنا) بحكمة، وعلينا أن نتذكّر بأنَّ الوقت حياة، ونحن نصرف الوقت أو نصرف حياتنا، سواء عملنا فيها شيئاً مفيداً أَم لا. وعلى هذا يريد لنا الله أن نستغلّ وقتنا بالشّكل الأفضل لكي نُتمِّم خطّته لحياتنا.
كما أنّ تحقيق أسلوب حياة متوازن يشبه ضبط عدسة الكاميرا، فعندما ننظر في العدسة ويكون تركيزها غير مضبوط نرى صورتَين منفصلتَين، ولكي نحصل على صورة سليمة واضحة نحتاج أن نستمرّ في تحريك العدسة إلى أن تصبح الصّورتان متطابقتان فنحصل على صورة واضحة. وهكذا لكي نحصل على صورة واضحة لحياتنا من خلال أهدافنا، لابدّ لنا من ضبط وقتنا ومعرفة كيفيّة الاستفادة القصوى منه إلى أكبر درجة. الرّسول بولس يحدّثنا عن هذا في الكتاب المقدس في رسالته إلى أهل أفسس الإصحاح 5: 15 – 16. عندما يقول الرّسول "فانظروا" يعني "كونوا حَذِرين وانتبهوا"، وهو يقصد أن نقيس بالضّبط وبدقّة كيف نعيش. بمعنى آخر أن نستغلّ كلّ فرصة.
الوقت أم المال؟
إنَّ استخدامنا لوقتنا أهمّ بكثير من استخدامنا لأموالنا. فنحن يمكن أن ندّخر المال أو نستثمره وبالتّالي نحصل على أرباح ونُعيد استثمارها، لكنّنا لا نستطيع ادّخار الوقت، لأنّه يُنفَق فقط. فقد دعا الله كلّ واحد منّا ليكون وكيلاً أميناً على وقته.
المميّزات الإيجابيّة لقضاء الوقت بحكمة:
ننجز عملنا في وقت أسرع وبالتّالي يكون لدينا وقت لعمل أشياء أُخرى. نشعر بالإنجاز بدلاً من أن نشعر بالذَّنب أو التّبكيت بسبب الطّريقة التي ضيّعنا بها وقتنا. يكون لدينا ارتياح بدل التّخبُّط والارتباك فيما ينبغي أن نعمله بعد ذلك. يمكننا اتّخاذ قرارات بناءً على تخطيط مُسبَق، بدلاً من سياسة الإدارة بالأزمات. نختار الطّريقة التي نريد قضاء وقتنا بها، بدلاً من أن يحدِّد لنا الآخرون الطّريقة التي نقضي بها أوقاتنا. يكون لدينا المزيد من الوقت لاختيار بدائل أُخرى متاحة. لا نقع فريسةً للإرهاق. كما أنّ استخدام الوقت بحكمة هو مهارة نحتاج إلى تنميتها. لأنَّه لا يمكن لنا في لحظة أن نتعلّم كيف نُدير أوقاتنا، لكن كلّما ركّزنا على استخدام الوقت بحكمة أكثر، كلّما تولَّد لدينا الإحساس بقيمة الوقت، وعندما نكتشف الأدوات المتاحة لنا سنستمتع بحريّة أكبر في استخدام الوقت. هناك أدوات هامّة تساعدنا على الاستفادة بشكل إيجابي من أوقاتنا، كأن نحدِّد أهدافاً طويلة الأمد لحياتنا ونرتِّب خطوات لتحقيق هذه الأهداف، ونضع خريطة لحياتنا نسير عليها. لكن هنا قد تواجهنا مشكلة ملئ أوقات الفراغ. ولا يُقصَد بوقت الفراغ هنا، وقت الإجازة الصّيفيّة أو إجازات نهاية الأسبوع، فأوقات الفراغ نفسها قد تكون أوقات عمل مشحونة، لكن بلا هدف أو فائدة. إذاً وقت الفراغ، هو الوقت الضّائع الذي لا فائدة منه. فمثلاً عندما نقوم بعمل غير مُثمِر ونصرف فيه الكثير من الجهد والوقت، هذا الوقت يُعتَبر وقت فراغ. لذا علينا وضع خطة لحياتنا، على أن تستمرّ مدى الحياة.
المحبّة والوقت:
إنْ كنت تريد التّعبير عن المحبّة، فأفضل وقت تقوم به هو الآن. إنّ أفضل تعبير عن المحبّة هو الوقت، فأهميّة الأشياء يمكن أن تُقاس عن طريق كَمّ الوقت المُستَثمر فيها والممنوح لها. وكلّما أعطيتَ وقتاً لشيء ظهرت أهميّته وقيمته بالنّسبة لك. فإنْ كنتَ تريد معرفة أولويّات أيّ شخص، فقط أُنظر إلى الكيفيّة التي يقضي بها وقته. وعندما تُعطي أحبّاءك من وقتك فأنت تقدِّم لهم جزءاً من حياتك لن تستردّه مرّة أُخرى أبداً، فوقتك هو حياتك، وأعظم هديّة يمكن أن تمنحها لإنسان هي وقتك. لا يكفي أن نقول: "العلاقات هامّة"، بل علينا أن نُثبت ذلك عن طريق استثمار الوقت فيها، الكلمات وحدها بلا قيمة. يقول الكتاب المقدّس في رسالة يوحنا الأولى 3: 18 . إنّ أفضل لفظ ننطق به هو كلمة "محبّة"، وأكثر الهدايا المرغوبة ليست الجواهر أو الذَّهب، بل الاهتمام والتّركيز. المحبّة تركِّز على الآخر ففيها تنسى نفسك، والاهتمام يعني أنّي أُقدِّرك لدرجة أنّي أُعطيك أكثر شيء ثمين لديّ وهو وقتي "عمري". في كلّ مرّة تعطي فيها وقتك لمن تُحبّ تقوم بتضحية، والتّضحية هي جوهر المحبة. لقد كان يسوع أكبر مثال على المحبّة العمليّة التي تجسّدت بمنح الإله ذاته ووقته ليعيش بين النّاس كإنسان، ويمنحهم كلّ الوقت. وليس هذا فقط، فهو منذ الأزل استثمر كلّ الوقت ليُظهر حضوره الدّائم وسط أحبّائه البشر.
أفضل وقت للمحبّة هو الآن:
لماذا الآن هو أفضل وقت للمحبّة؟ لأنّك لا تعلم متى ستسنح لك فرصة أُخرى، فالظّروف قد تتغيّر والنّاس يموتون، والأطفال يكبرون، وأنت لا تضمَن غَدَك.
لكي تتجنّب مشكلة الوقوع في أوقات الفراغ، عليك وضع خطة لحياتك على أن تستمرّ مدى الحياة.