زوجة نعمان - امرأة بُشرىخلفيّات القصّةيزعم البعض أنّ دمشق، عاصمة سوريا هي أقدم مدينة مأهولة في العالم دون انقطاع. أمّا قصّتنا هذه، فهي الثّانية التي تدور حول النّبي أليشع الذي كان حيّاً زمن هياج سياسي بين مملكة الشّمال - إسرائيل - ومملكة الجنوب - يهوذا - وبين الممالك المحيطة بهما. ورغم أنّ إسرائيل قد وقّعت عقد سلام مع سوريا المُسمّاة آنذاك بآرام، إلّا أنّ الغَزَوات لم تنقطع، والعلاقات بين الأُمّتين بقيت متوتّرة. وكان نعمان باعتباره قائد جيش ملك آرام رَجُلاً ذا نفوذ عظيم، غير أنّ سلطته العسكريّة لم تكفّ للتّغلُّب على الآفة الفظيعة التي كان مصاباً بها - داء البرص. زوجة نعمان تحكي قصّتهابدا لي الأمر وكأنّه قد يفوق جميع آمالي وأحلامي، فبينما استمعت إلى كلام الفتاة الصّغيرة، حقّقت رغبات قلبي العميقة. إنّ زوجي نعمان يُعدُّ رجُلاً شجاعاً ومحترماً جدّاً، لكنّني كنت أعرف في تلك اللّحظة أنّه كاد ينكسر نفسيّاً. كان باعتباره قائد جيش مملكتنا آرام القوي دائماً يتصرّف بوقار يملأ صدور ضبّاطه ثقة وطمأنينة. لكن كارثة عظيمة - مرض فتّاك - قد أصاب بيتنا، فلا يعرف دواء يعالج به البرص. كيف أتحمّل رؤية اضمحلال قواه وحيويّته التّدريجي تحت نفوذ هذا الدّاء الموهن المخيف؟ أمّا طريقة حياتنا ومستقبلنا فمُعرّضان للخطر، ولا أحد قادر على مساعدتنا ... يعني، لا أحد سوى هذه الفتاة الصّغيرة التي سُبِيَت واختُطِفت من بلادها لتخدم في بيتنا. ومن العجيب أنّها كانت تثق بي رغم تجاربها الأليمة وكانت، كما يبدو، تشعر بشفقة على سوء حالة زوجي. فتحدّثتْ لي عن رَجُل الله في بلادها، وكانت مقتنعة كلّ الاقتناع أنّه قادر على إنقاذ نعمان من مرضه. "يا ليت سيّدي يَمثُل أمام النّبي الذي في السّامرة - ألحّتْ عليّ بالإيمان البسيط والاقتناع التّام الذي كثيراً ما يتميّز بهما صغار السِّنّ - فينال الشّفاء من برصه". كم كان يشوّقني أن يُشفى زوجي!، لكن لم نكن نعرف إله هذه الفتاة الصّغيرة، ولم نكن نشاركها في الإيمان أو في التّقاليد، فكان لنا ديننا نحن. لكن من الجهة الأخرى، هل أستطيع إهمال توسّلها؟ فبالرّغم من صغر سنّها، بدت لي مليئة محبّة وعطفاً على أسرتنا. وأُثير شعور في نفسي، وأدركت أنّني قد حصلت على بُشرى ينبغي أن أُخبر زوجي بها. وعندما أخبرتُ نعمان بالنّبي والمعجزات التي قام بها في الماضي، منها إقامة شاب من الموت، تصرّف كالمعتاد بحزم وعزم. فانصرف مباشرةً إلى الملك، فأبلغه هذا الخبر الجديد. فأعطاه الملك بكرمه رسالة تقديم موجّهة إلى ملك إسرائيل علاوةً على كميّة كبيرة من الذّهب والفضة وعشر حُلَل من الثّياب هديّة لملك إسرائيل. وممّا ورد في الرّسالة بكلام صريح: وحال تسلُّمك لهذه الرّسالة إشفِ نعمان خادمي الذي أرسلتُه إليك من برصه. لم تخلُ الرّسالة من صراحة، لكنّنا لم نكن ننتظر أن تثير ردّ فعل سلبي مثلما حدث. ذلك أنّ ملك إسرائيل أساء تماماً فَهم نيّة نعمان في سَفَره إلى السّامرة. فاتّهمه بالقيام بحيلة سياسيّة قصدها أن يشاكسه وفقاً لإرادة ملكنا. فمزّق ثيابه المَلكيّة للتّعبير عن فزعه. هل أنا الله؟ سأل الملك بسخرية لاذعة ثاقبة كالخنجر. هل أستطيع أن أُميت وأن أُحيي؟ وعندما بدأ نعمان يظنّ أنّ كلّ آماله فاتت، سُلَِمت له رسالة من النّبي أليشع، الرّجُل نفسه الذي تحدّثتْ عنه الفتاة الصّغيرة بحماسة شديدة. وقَبِل نعمان بدعوته، فاتّجه إلى بيت أليشع محفوفاً كالمعتاد بمركباته وخَيْله، لكنّ استقباله خيّب آماله مرّة ثانية، إذ لم يخرج رَجُل الله حتّى إلى الباب ليستقبله، وإنّما بعث خادمه بإرشادات غريبة. إذهبْ واغتسلْ سبع مرّات في نهر الأردن، فتنال الشّفاء. إنّ مثل هذا الرّدّ لم يتوقّعه نعمان قَطّ، فبدا له إهانة. فعندنا نهران عظيمان أبانة وفرفر يمكن أن نغتسل بهما. أمّا الاغتسال في نهر الأردن التّافه الشّأن، فيا له من انفضاح!. ولماذا لم يخرج أليشع ليدعو لاسم إلهه ويمرِّر يده فوق الموضع، فيبرأ؟ كان هذا الرّجُل صانع معجزات، أَمْ لا؟ فانصرف زوجي غاضباً. والحمد لله، لم تنته قصّتي بهذا الختام المأسوي. لقد أدرك خدّام زوجي على نحو أو آخر صحّة كلام أليشع، فناشَدوه أن يُعيد النَّظَر في الأمر. كانوا يعرفون استعداد نعمان أن يبذل قصارى جهده لينال الشّفاء، فلماذا لم يُرِد أن يغطس في نهر الأردن سبع مرّات، وهذا فعل بسيط؟ وفي الآخر رقّ قلبه، فأطاع كلمة الله التي أعلن عنها النّبي. وكم أشكر الله أنّ زوجي تواضع فعمل بحكمة. عاد إلينا رَجُلاً متغيِّراً. فلم يقتصر التّغيير على مظهره الخارجي - صار لحمه كلحم صبي صغير - وإنّما قد تمّ تطهير في داخله. كان على علم بأنّه قد اغتسل من خطاياه أيضاً مثلما اختفت بُقَع البرص من جلده في ذلك اليوم المهمّ. لقد أصبح من ذلك الوقت عابداً لله، الإله الواحد الحقّ. ورغم صعوبات اتّباع معتقداته الجديدة علناً، إلّا أنّه عزم عزماً أكيداً أن يعبد الإله الحيّ - إله أليشع وإله الجارية الصّغيرة، الإله الذي منح لنا حتّى حياتنا. للتّأمُّلكانت زوجة نعمان امرأة هامّة ذات نفوذ، معتادة على مخالطة الدّوائر الاجتماعيّة الرّفيعة، لكنّها أظهرت تفتُّحاً عجيباً واستعداداً عظيماً للإصغاء حالما تنبّهت إلى كلام جاريتها حول أليشع. كيف يخاطبكِ الله؟ هل يتّخذ لذلك إنساناً آخر - ربّما إنسان غير مُتوَقَّع - ليملأ قلبكِ سلاماً في الموقف الذي أنتِ فيه؟ هل تستطيعين إدراك صوته سبحانه؟ هل أنت مستعدّة للاستماع إليه؟ كما أنّ زوجة نعمان كانت امرأة إيمان، وإلّا لم تكُن لترى في نَقل الرّسالة إلى زوجها فائدة. أين أنتِ في رحلتك في الإيمان؟ هل أنتِ مستعدّة للتّأمّل فيما يبدو مستحيلاً؟ إذا كنتِ مؤمنة بالمسيح، هل طلبتِ من ربّك فُرَصاً لتُخبري أسرتك ببشرى الإنجيل؟ وبعد حدوث قصّتنا بقرون كثيرة انتشرت أخبار رَجُل ذو قوّة أعظم حتّى من قوّة أليشع إلى منطقة سوريا (الإنجيل كما دوّنه متّى 4: 24)، فأتاه مرضى ومتألّمون وفوداً. لم يكن هذا رَجُلاً عاديّاً، بل كان عمّانوئيل، الإله الإنسان، الذي له السّلطة لا ليشفينا من أمراضنا فحسب، بل ليغفر لنا خطايانا ويُمكِّننا من بداية جديدة في حياتنا. هل تستمعين إلى صوت يسوع المسيح عندما يخاطبك اليوم؟ إنّه يريد أن تقتربي منه لتشفي من داء الخطيئة والموت الذي نحن كلّنا مصابين به. هل تستمعين إلى صوته بأيّ ثمن كان؟ باركي يا نفسي الرّبّ، باركي يا نفسي الرّبّ، إنّه يغفر جميع آثامك ويفدي من الموت حياتك ويُشبع بالخير عمرك المزمور 103: 1 - 5
|
||