ابنة فرعون - امرأة حنونةالخروج 1 - 2: 10ظروف القصّةيؤرَّخ خروج بني إسرائيل من مصر تحت قيادة النّبي العظيم موسى حوالي سنة 1446 ق. م، بمعنى أنّ قصّتنا حدثت خلال عهد سلالة حكّام مصر الثّامنة عشرة. وقد أيّدت بحوث علماء الآثار أخيراً بأنّ الفرعون المذكور في القصّة هو تحتمس الثّالث الذي اشتُهر بمغامراته العسكريّة، وكان يُسمّى أحياناً بـ"نابليون مصر". ومن حكمه تبقّت لنا آثار رائعة كثيرة في مجموعة المعابد بالأقصر. قصّة مريم
إنّ الأزمنة الخطيرة تتطلّب وسائل خطيرة!. فمن كان يتوقّع مثل هذا؟ وقفتُ من بعيد وبعذاب هائل شاهدتُ أمّي تضع السّفَط (السّلّة) بحذر شديد بين الحَلفاء المتمايلة على ضفّة نهر النّيل الخالد. لم أكن أخاف أن يغرق السّفَط، إذ كان مصنوعاً بعناية من البردي ومطلي بالحُمُر والزّفت حتّى يعوم مثلما تعوم أيّ سفينة أخرى على المياه المتلألئة تحت شمس مصر السّاخنة. ولكن ماذا كانت أمّي تتوهّم؟ كيف تخيّلت بأنّ أخي الصّغير المحتَضن في سفَطه سينجو من مصير جميع الصّبيان العبرانيّين الفظيع الذي أمر به فرعون الحاكم؟ لكن المناقشة كانت بلا جدوى، إذ كانت أمّي ثابتة العزم لتحاول كلّ ما في وسعها، لصيانة حياة طفلها الصّغير موسى. فقد خبّأته مدّة ثلاثة أشهر منذ ولادته، وأدركت أنّنا لم نعُد نستطيع بعد إخفاء سرّنا. ولم أعرف، وأنا صغيرة السِّنّ، لماذا فرعون في عظمته معتزم على هلاك شعبنا. لقد خدم بنو إسرائيل شعب مصر وكانوا في عبوديّتهم منذ سنين طويلة. هم الذين بنوا مخازن بيثوم ورمسيس المرتفعة من عرق جبينهم. لكن بالرّغم من سلطته وقوّته العسكريّة العظيمة، كان فرعون - كما يبدو - يشعر بفزع شديد، فأراد أن يبيد جميع الأجانب المقيمين بمصر. فصارت الإجراءات التي قام بها أكثر قسوة حتّى أمر بطرح كلّ مولود عبراني في نهر النّيل. ولن أنسى أبداً نواح الأمّهات وصياحهنّ لمّا خطفوا أطفالهنّ من ببن أذرعهنّ وطرحوهم في النّهر المهيّأ قبراً لهم. هل سيكون هذا مصير موسى الصّغير المسكين؟ لم أستطع إلّا الانتظار لأرى ما سيحدث له. وبينما كنت واقفة عن بعد لاحظت حاشية رائعة تقترب من ضفّة النّهر، وهي ليست جماعة عاديّة تريد الاستحمام. ها الأميرة ابنة فرعون نفسها تقترب وخادماتها معها في صحبتها!. وبينما كنّ يتقدمنَ خفيفات الحركة، توقّفت الأميرة فجأة عندما اكتشفت الطّفل موسى في سفَطه يتأرجح بين الحَلفاء. وبدأ موسى يبكي، فكادت دقّات قلبي تتوقّف. اقتربتُ زاحفة لأعاين الأحداث عن قرب. ولا أقدر وصف راحة شعوري عندما بدت الأميرة مليئة حناناً ورحمة ولم تُظهر أيّ أثر من قسوة أبيها وعنفه. صحيح أنّ موسى كان طفلاً جميلاً، من الصّعب أن يتوقّف أحد عن العناية به نظراً لخوفه ووحدته. قالت الأميرة: «إنّه أحد الأطفال العبرانيّين!». وكان واضحاً أنّها لم تقصد إضراره، فشرعتُ فوراً في التّقدّم إليها بعد أن جاءتني فكرة، وتجرّأت على مخاطبة منقذة موسى الطّيّبة وقدّمت لها اقتراحي. «هل تريدين أن أذهب لأُحضر لك إحدى النّساء العبرانيّات لتُرضع لك الولد؟» سألتُها محاوِلةً ألّا تُفشي نبرات صوتي بحماستي. لا أستطيع أن أعبِّر عن الغبطة التي شعرت بها عندما قَبِلتْ ابنة فرعون اقتراحي. فأسرعتُ إلى أمّي وأحضرتها إلى مكان النّجدة. ثمّ عَرَضتْ الأميرة عليها أن تُرضع موسى لها. ما أعجب سُبُل الله!، فالإضافة إلى إنقاذ أخي الصّغير يومئذ، أُعطيَت أمّي فرصة العناية به طوال تلك السّنين الهامّة في تكوينه. حقّاً، إنّ الله كان له قصد في كلّ هذه الأحداث. فعندما كبر موسى، ضمّته الأميرة إلى القصر وعلّمته جميع علوم مصر العظيمة. وبالرّغم من ولادته في عائلة أجنبيّة تخدم كعبيد في مصر، إلّا أنّ موسى تلقّى تربية متميّزة لا تُشترى بالمال. وكانت ابنة فرعون تحبّ موسى محبّة شديدة، فتبنّته كابنها، ودعته موسى - ربّما احتراما لأبيها - لكن أيضاً للتّذكرة بأنّها انتشلته من الماء. ولم تعلم الأميرة كما لم أعلم أنا، أنّ أخي موسى هو الذي سيشقّ مياه البحر الأحمر الهائجة كطريق بعون الله تعالى وسيخرج شعبنا من المياه إلى أمان الأرض اليابسة على الضّفّة الأخرى. ما أعظم شكرنا لمعروف الأميرة الشّابّة التي بِعَمَل واحد بسيط أدّت دوراً هامّاً في فداء أُمّتنا!. للتّأمّلإنّ ابنة فرعون أظهرت خلوّاً عجيباً من التّحيّز والعنصريّة عندما قرّرت إنقاذ الطّفل العبراني الضّعيف. إنّ كلمة الله تعلّمنا ألّا نحجب الإحسان عمّن يستحقّه كلّما كان في وسعنا أن نقوم به. (الأمثال 3: 27)وأنتِ؟ هل أنتِ معروفة بحنانك ورحمتك؟ أَمْ أنتِ سجينة التّحيّز النّاشئ عن تجاربك الماضية السّيّئة أو عن تربيتك؟ ليس عند الله تحيّز (رومية 2: 11)، فهو يستخدمنا لنكون بَرَكة للآخرين وإثراء حياتهم بأشكال متنوّعة، إذا كنّا مستعدّات أن نستسلم له وأن نهتدي به أينما قادنا. هل هناك شخص قريب منك يحتاج إلى عونك؟ لعلّكِ تستطيعين أن تزوري إنساناً كبيراً في السّنّ أو مريضاً. لعلّكِ تشعرين بأنّ قوّتك وصبرك لا يكفيان لتعتني بطفلك المحتاج حاليّاً إلى عنايتك. اطلبي من الرّبّ أن يجعل قلبك أكثر رقّة تجاه حاجات الآخرين من احتياجاتك الخاصّة. ثمّ اطلبي منه سبحانه أن يمنحك رحمة، نعمة ومحبّة لتسديد تلك الحاجات. أمّا الآن، فهذه الثّلاثة باقية: الإيمان، والرّجاء، والمحبّة. ولكن أعظمها هي المحبّة! 1 كورنثوس 13: 13
|
||