قرية شونم القديمة - هي قرية «سولم» الحاليّة - قرية عربيّة واقعة على هامش وادي يزرعيل. وكان موقعها في عهد أليشع موقعاً استراتيجيّاً بالنّسبة للمسافرين لكونها قريبة من طريق شاطئ البحر الأبيض المتوسّط.
وتُذْكر المرأة الشّونميّة مرّة ثانية في كتاب الملوك الثّاني، الفصل الثّامن والآيات 1-6. ذلك أنّها رحلت هي وعائلتها لبلاد الفلسطينيّين - وفقاً لنصيحة النّبي أليشع - هرباً من مجاعة هائلة دامت 7 سنين. وبعد عودتها رجع ملكها إليها بفضل شهادة جيحزي خادم أليشع.
لقد بدأ الأمر بفكرة واحدة متواضعة. كانت حياتي في بيتنا المريح ترضيني، فرغم أنّي لم أُنجب أبناء، إلّا أنّ زوجي كان رجلاً طيّباً أميناً. وبمرور الأيّام، أردتُ أن أقوم بخدمة مفيدة، وكثيراً ما كنت أتأمّل في ذلك وأدعو الله كيف يمكن أن أخدم ربّي الذي منحنا كلّ ما نملك.
ورغم أنّ المؤمنين في بلادنا كانوا قليلي العدد، إلّا أنّي قد سمعت قصص النّبي العظيم أليشع الذي حلّ عليه ضِعف ما كان لدى إيليّا النّبي من قوّة روحيّة. وإيليّا إنّما هو الذي أخجل أنبياء البعل الكَذَبة بمناسبة انتصاره العظيم على جبل الكرمل. وكم فرحنا وتشرّفنا كلّما نزل أليشع عندنا ليتناول الطّعام!. وأدركت مباشرة أنّه كان رجلاً مقدّساً لله. وبعد إحدى زياراته أتت لي فكرة. فلماذا لا نفرش له غرفة فوق السّطح لكي يَبيت فيها أثناء رحلاته؟ ونظّمت الغرفة بعناية ووضعت فيها كلّ ما كان في نظري ضروريّاً - طاولة وسريراً وسراجاً وكرسيّاً. ولم يعترض زوجي على هذا الاقتراح، وبعد قليل بدأ أليشع مع خادمه جيحزي يزوراننا بانتظام.
وفي يوم من الأيّام استدعاني جيحزي فجأة إلى العليّة، فسألني أليشع كيف يمكن أن يجازيني على إكرامي له. وطبعاً لم أكن أتوقّع مكافأة. وكم صُدِمْت عندما أعلن لي أليشع أنّي سأُنجب ابناً في مثل هذا الوقت من السّنة القادمة!. كنت قد قبلت بحالي منذ مدّة طويلة، ولم أستطع أن أؤمن بأنّ زوجي سيُنجب طفلاً في سنّه المتقدّم. رغم ذلك، فإنّ ما تنبّأ به أليشع حدث فعلاً، فولدتُ ابناً بفرح شديد في السّنة التّالية.
وطبيعي كنت أعتني بابننا الوحيد عناية شديدة وحدث أنْ أصابني حزن مؤلم عندما حصلت مأساة في أسرتنا. لقد خرج ابننا إلى الحقل مع أبيه أيّام الحصاد، فبدأ يشكو صداعاً شديداً. وأرجعه أحد الخدّام إلى البيت، وأدركت أنّ الآلام كانت غير وهميّة. وحاولت ما في وسعي لأخفّف من حمّى جبينه. وسعيت أن أريحه، لكنّي لاحظت اختفاء النّور من وجهه الحبيب، وأنا أحتضنه. وتركني الوليد الذي كنت أحبّه من كلّ قلبي، ومات!.
ووعيت أنّه ينبغي أن أتّخذ الإجراءات اللّازمة بسرعة. فحملته إلى العليّة، ووضعته على سرير النّبي أليشع، ثمّ اتّجهت إلى البحث عن رَجُل الله بأسرع ما يمكن. أكيد أنّه قادر على مساعدتي!. وعندما وصلت إليه على جبل الكرمل، تغلّب عليّ الحزن واليأس، فبدأت بلَومه قائلة:
«هل طلبت أنا منك ابناً، يا سيّدي؟» أَلَم أقُل لك: لا توقِظ أمَلاً في قلبي!؟.
فأرسل أليشع خادمه أمامه بعكّازه وأمره أن يضعه على ابني، أمّا أنا فرفضت أن أترك النّبي. إنّ أليشع نفسه تنبّأ بمعجزة ولادة ابني، وإذا طلب ذلك من الله، فإنّي على يقين بأنّ الرّبّ سيسمع دعاءنا وسيستجيب ...
وقبل أن نصل إلى البيت، خرج جيحزي للقائنا، وعلى وجهه ظهرت خيبة أمله، إذ لم يستطع إحياء ابني. وحالما دخلنا البيت، طلع أليشع إلى العليّة حيث كان ابننا ممدّداً، فأغلق الباب. وسمعت أليشع يتضرّع بحرارة، ثمّ يخطو ذهاباً وإياباً في الغرفة. ثمّ سيطر هدوء عظيم قبل أن يحدث شيئاً عجيباً حقّاً، فسمعت ابني يعطس سبع مرّات، ثمّ دعاني رَجُل الله للدّخول. ولا أستطيع أن أعبّر بالكلام بوفرة شكري وفرحي، عندما احتضنت ابني من جديد. كان حيّاً!.
للتّأمّل
بعيدة عن بيتها وأسرتها، متزوّجة برَجُل أكبر منها في السّنّ، وبدون أمل في إنجاب أطفال، كان من السّهل أن تخضع الشّونميّة لنَدب حالها أو حتّى لليأس. لكن العكس ما حدث، كانت تبحث عن فرصة لتساعد الآخرين.
وأنتِ؟ هل تندُبين حالك على أمور لا تملكينها، أَمْ تبحثين عن فُرَص لتشكري الله سبحانه وتخدمينه بما لك؟
كيف كان ردّ فعل بطَلَتنا عند موت ابنها؟ إنّي على يقين بأنّها أظهرت شجاعة عظيمة علاوة على استعداد للثّبات رغم ما أصابها من صعوبات قاسية.
ما هو ردّ فعلك على الأحوال الشّاقّة التي سمح بها الرّبّ في حياتك؟ هل تؤمنين أنّها أصابتك بإذنه؟ هل تثقين بكمال محبّته، وهل تريدين تمجيده سبحانه؟
قِفي دقيقة لتبوحي للرّبّ بكلّ ما في حياتك حاليّاً من هموم، ثمّ تأمّلي في هذه الكلمات المقتَبسة من الكتاب المقدّس: